رئيس جهاز الأمن الألماني.. صدقية تحت مطرقة التهم!
ربما تنتهي يوم الثلاثاء المقبل ولاية رئيس جهاز حماية الدستور (الأمن الداخلي) هانس ـ غيورغ ماسن فجأة بعد أن قضى ست سنوات في صدارة أكبر جهاز أمني في قلب أوروبا. فعندها سيواصل زعماء أحزاب الائتلاف الحاكم مناقشة مصير رئيس الجهاز الذي بات يثير مزيدا من الجدل يوما بعد يوم. الاجتماع الأول بهذا الصدد عُقد يوم الخميس عندما استقبلت المستشارة انغلا ميركل وزعيمة الاتحاد المسيحي الديمقراطي حليفها الدائم زعيم الحزب الاجتماعي المسيحي البافاري ووزير داخليتها هورست زيهوفر وزعيمة الحزب الاشتراكي الديمقراطي اندريا نالس للتشاور بهذا الشأن، لكن الاجتماع لم يسفر عن أي نتيجة وتم تأجيل اتخاذ قرار إلى يوم الثلاثاء المقبل.
وقبل ذلك كانت أحداث متسارعة تتضارب في المشهد السياسي. ففي مساء الأربعاء أكد وزير الداخلية الاتحادي هورست زيهوفر ثقته برئيس الجهاز الاتحادي لحماية الدستور المثير للجدل هانس ـ غيورغ ماسن وفي الصباح التالي ذكرت القناة التلفزيونية الأولى "أ.ر.د" أن سياسيا من الحزب اليميني الشعبوي "البديل من أجل ألمانيا" قد تلقى من رئيس جهاز الأمن الداخلي ماسن معطيات وأرقام من تقريره السنوي عن الوضع الأمني الذي لم يكن قد نشر علناً ذلك الوقت.
" لقد تحدثنا عن الكثير من الأرقام والمعطيات"
جاء النبأ الأخير في وقت غير ملائم بالنسبة لماسن الذي يعيش أجواء توحي بوجود فضيحة كبيرة ويصب الزيت على نار منتقديه الكثار. ماسن قضى يوم الأربعاء وحتى ساعات المساء ماثلا أمام اللجنة البرلمانية لمراقبة الأجهزة الاستخبارية أولا وأمام لجنة الشؤون الداخلية للبرلمان ثانيا ليجيب عن أسئلة معقدة وغير مريحة. وكان الأمر يتعلق في هذه التحقيقات بتصريحاته بشأن شريط فيديو مثير للجدل وربما مزور، حسب تخمين ماسن، يظهر أعمال عنف في كيمنتس. ماسن لم يقدم أي دليل على تخميناته حول حقيقة شريط الفيديو المذكور.
ولأن ماسن مازال يتمتع بثقة رئيسه الأكبر وزير الداخلية الاتحادي زيهوفر، فقد نعم بليلة هانئة خالية من المطالب باستقالته. لكن المطالب باستقالته باتت اليوم أكثر الحاحا من ذي قبل وذلك بسبب تصريحات النائب اليميني الشعبوي في حزب البديل شتيفان براندنر الذي تحدث عن لقاء جمعه مع رئيس جهاز الأمن الداخلي ماسن. وحسب النائب اليميني، فإن اللقاء حدث قبل نشر التقرير السنوي لجهاز الأمن الداخلي حول الوضع الأمني في البلاد بخمسة اسابيع في تموز/يوليو الماضي. وقال النائب براندنر "لقد تحدثنا عن الكثير من الأرقام والمعطيات التي جاءت في التقرير"، كما ذكرت القناة التلفزيونية "أ.ر.د" في برنامجها "كونتراستي".
ولما لم ينفِ ماسن ما ورد في التقرير التلفزيوني، فإن اللقاء بات في حكم المعقود. لكن وزارة الداخلية قالت في آب/أغسطس الماضي إن اللقاء واحد من مجموع 196 لقاء عقدها ماسن مع كل السياسيين ومن كل الأحزاب المتمثلة في البرلمان الألماني ـ بوندستاغ ـ منذ عام 2012. تصريحات وزارة الداخلية جاءت بعد أن ذكرت تقارير إعلامية أن ماسن يقيم علاقات مع نواب حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني الشعبوي. كما جاءت في تصريحات وزارة الداخلية بهذا الشأن أن محادثات ماسن مع سياسيين من كتلة المحافظين والاشتراكيين والخضر واليسار والليبراليين إلى جانب نواب حزب البديل تعلقت بتقييم المخاطر الداخلية في البلاد وبتبادل عام لوجهات النظر.
صحفيون حصلوا أيضا على معطيات أمنية
في هذه الخانة تنحصر ايضا ادعاءات النائب الشعبوي براندنر في حديثه مع ماسن والذي اضاف أنه تحدث معه ايضا حول مخاطر متشددين إسلاميين مصنفين "خطرين" إلى جانب الحديث عن ميزانية الجهاز الأمني عموما. الأرقام والمعطيات حول ذلك تتوفر عادة في التقرير السنوي للجهاز. ولكن يمكن للصحافيين أو نواب البرلمان الحصول على أرقام ومعطيات قبل نشر التقرير السنوي. ولذلك ليس من النادر أن يتم نشر أرقام أمنية قبل ظهور التقرير رسميا. ومن هذا المنطلق، فإن تصريحات النائب الشعبوي براندنر ليس مثيرة إطلاقا، إلا أن الكشف عن لقاء ثنائي غير علني بين نائب ومسؤول أمني كبير في الدولة يثير الانتباه.
بيد أن ما يثير الجدل ويلفت الانتباه في تصريحات النائب اليميني الشعبوي يكمن في قوله إنه تحدث مع ماسن عن ميزانية الجهاز الأمني والتي تعتبر قضية سرية لا يعلم بها سوى أعضاء لجنة الميزانية في البرلمان دون سواهم. حيث أن هناك لجنة خاصة تتمتع بالثقة مختصة بتحديد ميزانيات الأجهزة الأمنية الثلاثة: جهاز حماية الدستور "الأمن الداخلي" وجهاز الاستخبارات الخارجية "ب.ن.د" وجهاز الاستخبارات العسكرية "م.أ.د" ولا يتم نشر تفاصيل الميزانيات بشكل عام.
الاطلاع على ميزانية جهاز الأمن الداخلي متاح
إلا أنه من الممكن قراءة بعض الأرقام الملموسة والتي تنشر في التقرير السنوي عموما. ففي عام 2017 مثلا كان يعمل لدى الجهاز الاتحادي 3207 موظفا بزيادة عن العام 2016 والذي بلغ فيه عدد موظفي الجهاز 2972موظفا. وبلغ مجموع ميزانية جهاز الأمن الداخلي أكثر من 300 مليون يورو بقليل. وربما تحدث النائب الشعبوي عن هذه المعطيات عندما ذكر ميزانية الأمن الداخلي. وعموما لا يكشف جهاز حماية الدستور عما دار في لقاءات رئيسه ماسن مع النواب البرلمانيين وذلك بشكل مبدئي، حسب تصريحات وزارة الداخلية.
لكن ماسن نفى ما جاء في تقرير القناة التلفزيونية الأولى في برنامج "كونتراستي" بشكل قطعي. النفي يتعلق بما يوحي التقرير التلفزيوني وكأنه معلومات خاصة قدمها ماسن للنائب البرلماني من اليمين الشعبوي. وقال متحدث باسم ماسن إن اللقاءات مع النواب البرلمانيين تمت بموافقة ورغبة واضحة من وزارة الداخلية الاتحادية. والحديث في هذه اللقاءات يتم عن آخر تطورات الوضع الأمني في البلاد.
هل الشعبويون مهتمون بسقوط ماسن؟
لكن المثير في الأمر أنه حتى لو كانت تصرفات ماسن قانونية، إلا أن الشبهات تبقى عالقة به وتساهم في رسم صورة سيئة عنه، كما تسهل عمل منتقديه الذين يطالبون باستقالته. اللافت في الأمر أن حزب البديل الشعبوي يؤثر سلبا على ماسن عبر نشر فحوى لقاءات غير علنية وليست للنشر في وقت يشكل الحزب اليميني المعادي للأجانب القوة الوحيدة في البرلمان التي تدافع عن رئيس جهاز الأمن الداخلي ماسن، أو لم تطالب بشكل صريح وعلني باستقالته.
وربما يأتي هذا التصرف المتناقض من الحزب الشعبوي بعد أن باتت أجزاء من حزب البديل تحت مراقبة أمنية من قبل جهاز الأمن الداخلي، كما هو الحال في بريمن وتورينغين، حيث تم وضع منظمتي الشبيبة للحزب المذكور تحت الرقابة الأمنية. و هناك من يقول إن ماسن يقف ضد مراقبة حزب البديل الشعبوي. وعلى هذا الأساس ربما ينبع هنا اهتمام حزب البديل بإقالة ماسن وتعيين شخص جديد محله ينفذ طلب وضع الحزب تحت المراقبة الأمنية ليلعب الحزب دور الضحية في نظام ديمقراطي يطعن بديمقراطيته.
صدفة، أم توقيت مبرمج؟
ويستعد حزب البديل من أجل ألمانيا لوضع في المستقبل يكون فيه كحزب تحت مراقبة الجهاز الأمني بالكامل. ففي يوم الخميس الماضي شكل الحزب اليميني في اجتماع استثنائي لجنة عمل تقوم بدراسة ظروف العمل تحت المراقبة الأمنية. القرار بهذا الشأن اتخذ في حزب البديل مساء الأربعاء، في وقت كان ماسن يمثل أمام لجان البرلمان لتحديد مستقبله. فهل حدث ذلك عن طريق الصدفة؟ أم توقيت مبرمج لحزب البديل؟ سؤال يطرح نفسه أيضا فيما يخص توقيت تصريحات النائب الشعبوي براندنر حول حديثه مع ماسن.
dw