إسبانيا- سياسة منفتحة ومختلفة تجاه الهجرة والمهاجرين
فيما تقوم إيطاليا واليونان ومالطا بتشديد الحراسة على حدودها البحرية ومنع وصول المهاجرين إليها عبر المتوسط، تتبع إسبانيا نهجا مختلفا. دراسة ألمانية تشرح سبب السياسة الإسبانية المنفتحة في التعامل مع قضية الهجرة والمهاجرين.
النهج الذي تسلكه إسبانيا تجاه الهجرة والمهاجرين قد يمثل نموذجا يقتدى للبلدان الأوروبية بحسب دراسة ألمانية حديثة أجرتها مؤسسة فريدريش ايبرت (FES) المقربة من الحزب الاشتراكي. وقد تناولت الدراسة تاريخ إسبانيا الخاص بالهجرة واستجابتها للاتجاهات المختلفة على مر السنين وخاصة في العقدين الأخيرين. وتشير الوثيقة أيضا إلى الجوانب التي قد يختلف فيها تاريخ إسبانيا مع الهجرة عن دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، مما يجعل التنبؤ بالتطورات المستقبلية أكثر صعوبة إلى حد ما.
إسبانيا .. وجهة جديدة
تشير الدراسة أيضا إلى أنه على عكس دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، شهدت إسبانيا موجات هجرة في أواسط تسعينات القرن الماضي، جعلت منها وجهة جديدة نسبياً للهجرة. أما خلال حكم نظام الجنرال فرانكو الديكتانوري، كان عدد المهاجرين من إسبانيا أكبر من عدد المهاجرين القادمين إليها.
وبالنسبة لزيادة عدد المهاجرين إلى إسبانيا في التسعينات بعد فترة حكم فرانكو، فيعود بشكل أساسي الطفرة الاقتصادية التي شهدتها البلاد في تلك الفترة، وخاصة في قطاع البناء الذي كان حوالي نصف العاملين فيه بين عامي 1995 و 2005 من المهاجرين. كما وجد الكثير من المهاجرين فرص عمل في مجال السياحة والتدبير المنزلي.
وفي أواسط العقد الأول من القرن الحالي، بلغت الهجرة إلى إسبانيا ذروتها بأرقام كانت أعلى بمقدار ثمانية أضعاف من معدل الهجرة إلى فرنسا المجاورة. لكن مع بداية الأزمة المالية عام 2007، وبحسب الدراسة الألمانية فإن الكثير من هذه الفرص قد تلاشت ما جعل أبناء المهاجرين يواجهون تحديات لم يواجهها جيل آبائهم. ومع بلوغ نسبة البطالة بين الشباب ذروتها بحدود 50 في المائة قبل بضعة سنوات فقط، فإن مسألة عدم الاستقرار الاقتصادي تفرض تحديات لا بد أن تواجهها إسبانيا لسنوات قادمة على الأرجح.
March for refugees in Spain
هناك عامل آخر يميز مشهد الهجرة في إسبانيا وهو حقيقة أن كثيرين من المهاجرين القادمين إلى إسبانيا قد ولدوا في بلدان أخرى ناطقة بالإسبانية في أمريكا اللاتينية، مما يجعل اندماجهم في المجتمع أسهل. فبغياب حاجز اللغة، استطاع كثير من هؤلاء المهاجرين الاندماج في سوق العمل الإسبانية.
الهجرة إلى إسبانيا لم تكن من خارج القارة الأوروبية فقط وإنما من داخل الاتحاد الأوروبي أيضا، لكن لم يكن سبب هجرة كل هؤلاء للعمل إذ أن متقاعدين من دول الاتحاد الأوروبي الأكثر ثراء مثل بريطانيا وألمانيا اختاروا الهجرة والعيش في إسبانيا. وتشير الدراسة إلى أن عدد المهارجين من أفريقيا وآسيا في تلك الفترة والآن كان منخفضا نسبيا، والعدد الأكبر منهم جاء من المغرب.
إلا أن الدراسة تؤكد أنه مع تزايد أعداد المهاجرين الوافدين إلى إسبانيا من أفريقيا ومع الانتهاكات المتكررة للحدود الإسبانية المغربية في جيبي سبتة ومليلية، يمكن أن يكون هناك نوع من الصراع المستقبلي ضمن الحدود الاسبانية.
سياسات مثيرة للجدل لكبح الهجرة
ومع تزايد أعداد المهاجرين من أفريقيا والذين يحاولون الوصول إلى أوروبا بالدخول إلى إسبانبا من المغرب، اضطرت مدريد إلى تغيير نهجها في مراقبة الحدود: فبدلاً من تعزيز حدودها بشكل مستمر زادت الحكومة في الآونة الأخيرة وتحديدا في السنوات الخمس الماضية من إنفاقها على المساعدات الخارجية إلى أحد عشر بلداً في شمال وغرب أفريقيا في محاولة منها للحد من الهجرة. وقد ذهبت غالبية هذه الأموال لتعزيز خدمات الشرطة والجيش في تلك الدول.
كما تعاونت إسبانيا مع قوات الأمن المغربية وكذلك قوات فرونتكس الأوروبية لمراقبة السياج الحدودي معا وإعادة المهاجرين الذين يتم اعتراضهم على طول الحدود المغربية الإسبانية، وهو ما أشاد به وزير الداخلية الإسباني باعتباره نموذجا محتملًا لبقية البلدات الأوروبية.
لكن هذا النموذج الإسباني في التعامل مع الهجرة غير الشرعية لم يسلم من الانتقادات، لأنه لا تسمح للمهاجرين بتقديم طلب اللجوء عند دخولهم الأراضي الإسبانية. وبموجب قانون الاتحاد الأوروبي، حتى المهاجرين غير الشرعيين لديهم الحق تقديم طلب للجوء بمجرد وصولهم إلى أراضي الاتحاد الأوروبي.
وبالإضافة إلى إدارة الحدود البرية مع المغرب، يتعين على إسبانيا أيضاً معالجة تدفق القادمين عن طريق البحر. ومنذ عام 2006 ، تمكن ما يقرب من 35 ألف لاجئ ومهاجر من الوصول إلى إسبانيا عبر البحر. وبموجب خطة إعادة التوطين في الاتحاد الأوروبي، من المفترض أن تستوعب إسبانيا 18 ألف طالب لجوء من أنحاء أخرى من أوروبا كل عام ، مما يجعل الهجرة قضية ذات أهمية متزايدة.
على الرغم من تجربتها في التعامل مع الارتفاع الكبير لعدد المهاجرين، إلا أن الدراسة تذكر أيضا أن إسبانيا هي واحدة من عدد قليل من دول الاتحاد الأوروبي التي لا يتمتع فيها اليمين الشعبوي ومناهضة المهاجرين بالتأييد، وربما يعود ذلك إلى الاندماج الناجح للمهاجرين القادمين إلى إسبانيا. كما تسلط الدراسة الألمانية الضوء على أن أسوأ هجوم إرهابي على الأراضي الأوروبية حتى الآن وقع في اسبانيا، وذلك عبر تفجير قطارات في مدريد عام 2004. لكن رغم هذه التجربة كانت مؤلمة، إلا أنها لم تصب في مصلحة اليمين المتطرف في رد فعل على الهجمات الإرهابية .ونظراً لأن المنظمين الرئيسيين لهجمات برشلونة في أغسطس/ آب 2017 هم من الجيل الثاني من المهاجرين من المغرب، ربما لا يزال يتعين على إسبانيا معالجة قضايا أمنية معينة وليس فقط فيما يتعلق بسياستها الخاصة بالهجرة. هذا ولا تزال لافتة كبيرة معلقة على مبنى بلدية مدريد كيتب عليها "أهلا باللاجئين".
.infomigrants.