هنا السويد

السويد تتشدد في قوانين الهجرة وتتجه إلى طرد 80 ألف لاجئ غير شرعي

أظهر تقرير صادر عن شبكة المنظمات الأوروبية غير الحكومية والشبكة الأوروبية لمناهضة العنصرية (ENAR) مكرس لمظاهر العنصرية والتمييز في سياق الهجرة شمل 26 بلداً في الاتحاد الأوروبي، أن السويد التي تعد من أكثر بلدان الاتحاد الأوروبي انسانية وانفتاحاً في تعاطيها مع اللاجئين والمهاجرين بدأت تغير سياساتها الخاصة بالهجرة. ويتضح من التقرير أن السويد حلت في المرتبة الثانية بعد ألمانيا في لائحة تزايد جرائم العنف والكراهية ضد اللاجئين. وبحسب بيانات اوردها مركز كانتور( Kantor ) فإن «43 عملية إضرام متعمد للنار حدثت ضد سكن طالبي اللجوء في السويد في عام 2015» و «أن مجموعة من الرجال المقنعين قامت في العام 2016 بالاعتداء لمرات على أشخاص ملامحهم أجنبية في العاصمة استوكهولم».

تتجه السويد هي الأخرى بعد ألمانيا وفرنسا وغيرها من البلدان الأوروبية الى تشديد قوانين اللجوء، والتوقف بالكامل عن استقبال المزيد من اللاجئين والمهاجرين. وأقر البرلمان السويدي مقترحات الحكومة بتشديد سياسة اللجوء والهجرة وجعلها أكثر صرامة، وينص القانون الجديد على منح طالبي اللجوء تصاريح موقتة بدلاً من الدائمة، وتقييد امكانية لم شمل العوائل وحصرها فقط بأولئك الذين يمتلكون القدرة على توفير السكن والإعالة الكاملة لعوائلهم من دون الحصول على أية مساعدات وإعانات من الصناديق الاجتماعية. وتزمع استوكهولم مواصلة تنفيذ اجراءات طرد حوالى 80 ألف لاجئ ومهاجر وصلوا البلاد العام 2015، ورفضت طلباتهم للحصول على حق اللجوء. وقال وزير الداخلية اندريش ايغمان في تصريح نقلته صحيفة «داجينس انداستري» المالية، «أن الحكومة طلبت من الشرطة ومن مكتب الهجرة تنظيم عمليات الترحيل»، وأضاف: «أن الهدف من هذه الإجراءات الجديدة فرض نظام يعيق تدفق اللاجئين والمهاجرين لأن البلاد لم تعد قادرة على استقبال المعدلات السابقة». وكان 163 الف لاجئ وصلوا الى السويد التي يبلغ عدد سكانها 9 ملايين نسمة، وافقت السلطات المعنية على قبول 55 في المئة منهم، وأنذرت من رفضت طلباتهم بالمغادرة الطوعية اوالطرد بالقوة. وذكرت صحيفة «سفنسكا داعبلات» أن 257 لاجئاً من المرفوضة طلباتهم والذين ينتظرون إجراءات ترحليهم تمكنوا من الفرار من أماكن الاحتجاز العائدة لوكالة الهجرة الحكومية. وتحدثت الصحيفة عن حالات هروب تميزت بالعنف والتهديد». ويشكل اللاجئون السوريون 90 في المئة من طالبي اللجوء والافغان 35 في المئة، فيما العراقيون 20 في المئة فقط. ويشير تقرير صادر عن وكالة الهجرة «أن عدد اللاجئين الذين تقدموا لسحب طلبات اللجوء للسويد هذا العام بلغ 4169 بمتوسط 99 شخصاً في اليوم. هذا وكانت السويد فرضت إجراءات أمنية مشددة على حدودها الجنوبية مع الدنمارك لمنع تدفق اللاجئين وشرعت في التحقق الدقيق من هوية المسافرين القادمين الى البلاد، كما سيرت دوريات مكثفة بمدينة مالمو التي دخل منها 80 في المئة من طالبي اللجوء.

منذ العام 2009 والسويد تستقبل سنوياً أكثر من 100 ألف مهاجر، ولكنها قررت الآن التوقف عن هذه السياسة. ويقول الخبير في الشؤون السياسية توبياس ايتسولد: «إن السويد لها مشاكل فريدة من نوعها، فالصناعة السويدية متخصصة للغاية، ولهذا فهي تحتاج الى مهاجرين يتمتعون بمؤهلات عالية، ولكن من دخلوا البلاد خلال السنتين الأخيرتين في غالبيتهم تنقصهم الخبرات والتأهيل الضروري، اضافة الى أن الحصول على العمل يستلزم معرفة اللغة السويدية ما يحرم هؤلاء حتى من فرص العمل العادية فيصبحون عاطلين وبالتالي عالة على الدولة ودافعي الضرائب ويستنزفون أموال مؤسسات الخدمة الاجتماعية». وأقر مسؤولون سويدون بأن «مراكز إيواء اللاجئين تشهد بسبب اكتظاظها مشاكل أمنية تصاعدت وتيرتها بعد قيام لاجئ قاصر بقتل موظفة سويدية من أصل لبناني بطعنها بالسكين».

تواجه السويد معضلة زيادة أعداد الأطفال السوريين المولودين حديثاً في البلاد ولا يمتلكون وثائق ثبوتية، ووفق مسح أجرته «جمعية أصدقاء الطفل» بالعاصمة السويدية استوكهولم ان عدد هؤلاء ارتفع الى 225 طفلاً خلال أشهر عدة، بينما بلغ اجمالي المولودين منهم في السنوات الثلاث الأخيرة 336 طفلاً. ويحرم القانون السويدي هذه الفئة من الاطفال الذين لا يمتلكون اوراقاً ثبوتية من حق الحصول على الرعاية الطبية، كما سيفقدون حقهم في التعليم إن لم يستوفوا شروط التسجيل في البلاد. وتشير بيانات المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة الى ولادة أكثر من51 ألف طفل سوري في أوروبا منذ العام 2011. وتصل نسبة غير المسجلين منهم في الدول التي ولدوا فيها الى 75 في المئة ما يجعلهم في المستقبل مهددين بالوقوع في أيدي عصابات الجريمة المنظمة.

 

المسلمون وجماعات التطرف والجهاد

تنشط في السويد جمعيات إسلامية متعددة من بينها وأقدمها الرابطة الإسلامية في استوكهولم التي تأسست العام 1980، ولكن الانقسامات سادت صفوفها وتسببت في ظهور جمعيات أخرى مثل رابطة الجمعيات الإسلامية (FIFS) واتحاد المراكز الثقافية الإسلامية IKUS واتحاد الطائفة الشيعية ISS وتجتمع كلها تحت منظومة تسمى (مجلس التعاون الإسلامي في السويد)، ووفق بيانات غير رسمية يوجد الآن في البلاد أكثر من 300 جمعية إسلامية وأكثر من 560 مؤسسة ثقافية وتعليمية للمسلمين الذين يصل عددهم الى أكثر من 400 الف نسمة، 200 ألف منهم يقطنون العاصمة، وهم ينتمون الى جنسيات عربية وإسلامية مختلفة سورية وعراقية ومغاربية ومصرية وتركية وألبانية وكوسوفية وباكستانية وإيرانية وأفغانية وأفريقية.

رصدت الأجهزة الأمنية السويدية ظاهرة تنامي التطرف في أوساط الجاليات العربية والاسلامية، ووفق تقرير تسربت بعض تفاصليه الى الصحف المحلية أن مجموعات من المتطرفين الإسلاميين تشكلت ونمت داخل السويد وهي تؤيد وتدعم نشاطات الجماعات الإرهابية مثل «داعش» و «القاعدة»، وتريد استغلال الفرصة السانحة لإثبات وجودها، وهؤلاء الاسلاميون ينتمون وفقاً لما ورد في التقرير الى واحدة من الجماعات السلفية الجهادية التي دعت مراراً عبر الانترنت إلى القيام بأعمال عنف انتقامية داخل السويد. وأقرت الحكومة مجموعة من الإجراءات العقابية ضد أولئك الأشخاص الذين يغادرون السويد للمشاركة في الأنشطة الإرهابية ضمن ما يسمى «رحلات الجهاد»، وكذلك أولئك الذين يشاركون في الأعمال والأنشطة غير القتالية مثل امدادات السلاح او التبرعات المالية لأفراد المنظمات الإرهابية، وسيتعرضون لأحكام القانون بتهمة ارتكاب جرائم إرهابية او تقديم الدعم اللوجستي للارهابيين. ولهذا الغرض خصصت الحكومة السويدية مبلغاً إضافياً في الموازنة الدفاعية والأمنية قيمته 120 مليون يورو لمحاربة التطرف للفترة حتى العام 2018.وقال وزير الداخلية أندريس يغمان للتلفزيون السويدي (SVT) إن الهدف من زيادة الموازنة الأمنية هو تعزيز عمل جهاز الاستخبارات (Sapo) من أجل مراقبة ومتابعة الأشخاص الذين التحقوا بـ «رحلات الإرهاب المسلحة»، أي الذين سافروا للمشاركة في الصراعات والحروب خارج السويد، وبالتالي تمكين الجهاز من تعقب الأشخاص المشتبه بانتمائهم للتنظيمات الإرهابية أو الذين سافروا «للجهاد» وملاحقتهم قضائياً عند عودتهم للسويد.

وكان جهاز الاستخبارات السويدي أشار إلى أن عدد الأشخاص الحاملي الجنسية السويدية الذين سافروا إلى سورية والعراق للقتال في صفوف «داعش» و «جبهة النصرة» يتراوح بين 250 و 300 شخص، عاد منهم 110 مقاتلين وضعوا تحت المراقبة الدائمة. وأفاد تقرير أمني نشرت بعض تفاصيله وكالة الأنباء السويدية «ان المتشددين الإسلاميين الذين يتبنون العنف ازدادوا قوة وأصبحوا يشكلون تهديداً جدياً للأمن الاجتماعي»، وأكد «أن مصدر الخطر الأكبر هم أولئك الذين توجهوا للقتال في سورية والعراق ثم عادوا الى البلاد». ويعد حي «روسينغراد» بمدينة «مالمو» – ثالث أكبر مدينة بالسويد – المركز الأساسي والأكثر خطراً للجماعات الجهادية. ويقطن في هذا الحي عدد كبير من الجالية المسلمة من أصول لبنانية وعراقية وبوسنية وكوسوفية، ويمثل السكان المتحدرون من أصول أجنبية في المدينة ما نسبته 43 في المئة، وقد شهد هذا الحي في التسعينات أحداثاً عنيفة استدعت تدخل الشرطة وقيامها بإخلاء المسجد الرئيسي الذي يتجمع فيه المتشددون وهو ما زال مقراً لهم حتى الآن، كما تنتشر في مالمو عصابات مسلحة أفرادها من دول عربية وإسلامية غالبيتهم لا يعرفون اللغة السويدية على رغم وجودهم لأكثر من 20 عاماً في البلاد. ويتحدث تقرير لوحدة مكافحة الجرائم عن ارتفاع الجرائم بين اللاجئين، وأن بعضها تحصل بسبب اختلاف الثقافات والطوائف الدينية والعرقية، ومن بينها جرائم الشرف التي تنتشر بين اللاجئين القادمين من مجتمعات قبلية ومتحفظة دينياً. ويوضح أن «تجميع اللاجئين العرب والمسلمين في مراكز موحدة لا يساعد على الاندماج في المجتمع، وأن بقاء هؤلاء مع أشخاص عاطلين من العمل يشجع على البطالة وعدم الرغبة في الاندماج في المجتمع حيث تبين أن 60 في المئة من العراقيين الذين يبلغ عددهم الإجمالي نحو 150 الفاً يرفضون تعلم اللغة والدخول الى سوق العمل. وأظهرت بيانات حديثة صادرة عن مكتب الإحصاء المركزي أن الجالية السورية أصبحت الأكبر مع بلوغ عدد أفرادها 180 الفاً لتتفوق بذلك على الجالية الفنلندية التي كانت الأكبر في البلاد منذ الحرب العالمية الثانية». ونقلت صحيفة «افتو نبلادت» عن السكرتير العام لرابطة المرأة السويدية اولغا بيرسون «أن 6 لاجئات قتلن بسبب جرائم تتعلق بالشرف ولم يمض على وصولهن إلا بضعة أشهر». وذكرت نقلاً عن تقرير رسمي «أن نسبة النساء القتيلات بسسب الشرف ارتفع في شكل ملموس حيث أن 30 في المئة من أصل 276 امرأة تعرضن للقتل هن من اللاجئات والمهاجرات».

 

أفول التسامح والانفتاح السويدي

تبدل مزاج الرأي العام السويدي إزاء اللاجئين والمهاجرين بعد العمليات الإرهابية التي ضربت عواصم أوروبية متعددة، وكذلك تحت تأثير الدعاية التي تروجها ضدهم أحزاب اليمين الشعبوي التي تتهم الحكومة باستيراد الاسلاميين المتشددين. وقالت منسقة مكافحة التطرف آنا كارلشتات «أعي جيداً لماذا يتساءل الناس إن كانت السويد منفتحة انسانياً ام ساذجة». وقالت: «ظلت السويد لعقود طويلة خالية من التطرف والعنف الاسلامي، ولكن الآن تغيرت الصورة لدرجة تدفعنا الى التشكك بأمكانية بقاء مجتمعنا منفتحاً ومتسامحاً، مع أن هذا يجري في دمائنا وضمائرنا وأرواحنا». ويشدد مدير مركز «سيغر شتات» لدراسة التطرف الديني كريستر ماتسون» أن اكتشاف الأشخاص الأكثر عرضة للتطرف كان في السابق يشبه البحث عن إبرة في كومة قش. الأمور تبدلت الآن بالكامل». وبرأي الخبير الأمني كلاس نيلسون «أن هناك إجماعاً عاماً بأن سياسة الهجرة المتبعة حتى الآن يجب أن تتبدل بعد أن أصبحت نتائجها خطيرة على الأمن القومي للدولة». وينشط في السويد تيار شعبوي تزداد شعبيته ويتنامي نفوذه على خلفية انتشار التطرف والعنف والجريمة المنظمة في أوساط الجاليات العربية والإسلامية. وتوحدت الأحزاب اليمنية المتطرفة المناهضة للاجئين والمهاجرين وشكلت تحالفاً ضم الحزب الديموقراطي السويدي وحزب يمين الوسط المحافظ، إذ اصبحوا أكبر تجمع سياسي معارض لحكومة يسار الوسط التي تضم حزبي الديموقراطي الاجتماعي والخضر». ويتضح من استطلاع للرأي اجرته وكالة (Sifo) أن «نسبة الدعم للحزب الشعبوي ارتفعت من 12.5 الى 19 في المئة». وأظهر «أن ثلثي السكان لا يريدون مهاجرين ولاجئين في البلاد». يقول نيلسون: أنهم يتحدثون مثل ترامب، يخيفون الناس، وما يحدث في أوروبا والعالم يشحنهم بالقوة والثقة». وتخشى السلطة من نتائج تزايد وتنامي النزعات العنصرية ومعاداة الاجانب والاسلاموفوبيا والتطرف الديني والنزعات الانعزالية، ما يعكس فشل سياسة الاندماج التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة بإجماع المحللين، هذا في وقت تنفق الدولة ما يقرب من 4 بلايين يورو سنوياً على برامج لتوفير الخدمات المتكاملة باللاجئين بعد أن كان هذا المبلغ قبل سنوات أقل من بليون يورو في السنة، كما أن 60 في المئة من مدفوعات الرعاية الاجتماعية تصرف الآن على اللاجئين وفقاً لصحيفة (تايمز). ودعت وزيرة العمل ايلفا يوانسون الحكومة الى تكييف مجالات العمل في شكل فردي لكل مقيم جديد كل بحسب مؤهلاته، وضمهم الى دورات تعليم اللغة لمساعدتهم على الاندماج السريع في المجتمع». وتسعى الحكومة الى أن يحصل الوافدون الجدد على فرصة عمل بعد سنتين من قدومهم الى البلاد، لأن العمل يساعدهم على الاندماج السريع.

 
المصدر : صحيفة الحياة
زر الذهاب إلى الأعلى