مدينة بيرماسينس تنتقل من مد “الترحيب” إلى جزر “وقف الاستقبال”
أصبحت مسألة تقديم الخدمات لأعداد اللاجئين مهمة معقدة على نحو متزايد في ألمانيا، ما دفع ببعض البلدات والمدن إلى الإحجام عن استقبال المهاجرين واللاجئين الجدد. وأحد النماذج الفعلية التي تظهر مدى المد والجزر في السياسات اتجاه اللاجئين هو مدينة بيرماسينس الصغيرة في ولاية راينلاند بفالز بجنوب غرب ألمانيا.
حيث وافقت الحكومة الإقليمية على رفض أي مهاجر جديد يصل إلى المدينة، ما لم يكن لديه وظيفة أو منخرط في التدريب المهني أو التعليم العالي، وقالت الحكومة إنها تريد التركيز على إدارة مواردها الحالية في سبيل الاندماج، ومساعدة اللاجئين والمهاجرين الموجودين هناك للبدء بحياتهم في المجتمع الجديد.
رئيس بلدية بيرماسينس بيرنهارد ماتييس أوضح أسباب هذا القرار بقوله "بلدة بيرماسينس صغيرة جدًا ومع ذلك يعيش فيها حوالي ضعف عدد اللاجئين الذين من المفترض أن يعيشوا في كل الولاية، حيث يبلغ عدد اللاجئين 1300 لاجئ ، حوالي ثلاثة بالمائة من إجمالي سكان البلدة هم مهاجرون بالفعل. ويترافق هذا مع ضعف في النمو الاقتصادي وانخفاض في النمو السكاني للسكان المحليين على مدى السنوات الخمس الماضية، لذا تجد البلدة الصغيرة نفسها غير قادرة على استضافة المزيد من اللاجئين والمهاجرين وطالبي اللجوء".
العدالة بتوزيع اللاجئين مطلوبة!
"الاتحاد الألماني للمدن والمجتمعات المحلية" (DTGB) قال إن العديد من اللاجئين اختاروا الانتقال إلى بيرماسنس بسبب انخفاض أسعار السكن إلى حد ما، ما أدى إلى وجود عدد كبير من اللاجئين بنسبة أعلى من باقي المناطق، وأوضحت المتحدثة باسم الجمعية جانينا سالدن أنه من "المفهوم أن تشعر المجتمعات بضرورة "الضغط على الفرامل" عندما تصل إلى حدودها من حيث إمكانيات تلبية متطلبات الاندماج".
وتضيف "يمكن تجنب مثل هذه الحالات إذا كان هناك توزيع أكثر عدلاً للمهاجرين، حيث يمكن إدارة تدفق اللاجئين على نحو أفضل في الحالات التي تقرر فيها الولايات الألمانية تطبيق جزء معين من التشريع يسمى "التزام الإقامة"، المصمم للحد من تحركات المهاجرين"، وهو تشريع تطبقه خمس ولايات فقط من أصل 16 يلزم اللاجئين بالبقاء بالولاية التي سجلوا فيها ما لم يكن سبب الانتقال الحصول على عمل أو التعلم.
وتضيف سالدن "نحن مع تطبيق شامل لمتطلبات تشريع "الالتزام بالإقامة" في جميع أنحاء ألمانيا لتحقيق توزيع أكثر عدلا للاجئين، فغالباً ما ينتهي الأمر بالولايات التي تتخلى عن تطبيق هذا الشرط بالمعاناة من اكتظاظ ملحوظ بعدد اللاجئين".
المجتمعات المحلية تتحدى الأمر الواقع
الوضع في بيرماسنس ليس حدثًا فريدًا، فلقد وضعت العديد من المدن والبلدات في ألمانيا قوانينًا للحد من تدفق اللاجئين إليها، أو قدمت اقتراحات لوقف هذا التدفق، كمدينة "فيلهلمسهافن" و"زاتسغيتير" و"دلمنهورست" في ولاية ساكسونيا السفلى الشمالية، التي يعتبر وضعها الاقتصادي الإجمالي أفضل بكثير من بعض المناطق في ألمانيا، حيث وضعت هذه المدن إجراءات مماثلة لوقف تدفق اللاجئين الذين أصبح عددهم كبيرا جدًا، وبحسب المتحدثة باسم جمعية "الاتحاد الألماني للمدن والمجتمعات المحلية" فإن هذه المجتمعات "يجب أن تنتقل للتركيز على متطلبات الاندماج".
ألمانيا الشرقية معترضة!
مدينة "كوتبوس" في ولاية براندنبورغ الشرقية، هي حالة أخرى من المدن التي اتخذت إجراءات لوقف تدفق اللاجئين، حيث اتخذت المدينة التي يبلغ عدد سكانها مئة ألف نسمة تدابير مشابهة في كانون الثاني/يناير 2018 ، في محاولة للحد من أعداد اللاجئين هناك. وجاء هذا التحرك بعد أن طالب السكان المحليون بإدخال قيود على تدفق اللاجئين الذين ينتقلون إلى مدينتهم.
كانت كوتبوس أيضاً واحدة من معاقل "حزب البديل من أجل ألمانيا" (AfD) خلال الانتخابات العامة في سبتمبر 2017، والذي يتبنى سياسية مناهضة للهجرة. تحتضن مناطق شرق ألمانيا بشكل خاص أشخاصًا لديهم مواقف قائمة على كراهية الأجانب، فلا تزال هذه المناطق حتى بعد مرور 25 عامًا على إعادة الوحدة مع بقية ألمانيا تعاني من ماضيها الشيوعي وسوء الإدارة الاقتصادية. وهذا غالبًا ما يؤدي إلى إحباط واسع النطاق ينتهي به الأمر إلى رفض الأجانب.
"مدينة فرايبرغ" في ولاية سكسونيا، هي مثال آخر أيضًا على بلدة من شرق ألمانيا أطلقت حركات لوقف استقبال المزيد من اللاجئين من الوصول إلى مجتمعاتهم. غير أن البلدة التي يبلغ عدد سكانها 40.000 نسمة لا تزال في الوقت الحالي في المراحل الأولى من تطبيقها لإجراءات الحد من أعداد المهاجرين ، وفقًا لجمعية "الاتحاد الألماني للمدن والمجتمعات المحلية". فعلى الرغم من أن الدولة تمنح للولايات تقرير مسألة وقف استقبال اللاجئين إلا أنها غير ملموسة بعد.
تغيّر المواقف اتجاه اللاجئين
بدأت ولايات مختلفة في ألمانيا اتخاذ تدابير من أجل إدارة أكثر عملية للتعامل مع أعداد اللاجئين، بعد سياسة الترحيب الأعمى التي كانت سائدة في ذروة أزمة اللاجئين بين عامي 2015 و2016. في بعض الحالات وبنظر البعض تعتبر هذه التدابير هي نوع من رفض استقبال اللاجئين لكنها في الواقع لا تنم عن سوء نية، إذ أنها سياسات وحلول لتجاوز الأزمة.
على سبيل المثال، أغلقت مؤسسة "تافل" الخيرية، المتخصصة في مجال إمداد المحتاجين بالمواد الغذائية، في مدينة إيسن، أبوابها في وجه البعض في وقت سابق من هذا العام، بما في ذلك المهاجرون واللاجئون. وكان السبب هو تقديم المساعدة للناس الذين يستهدفهم بشكل أساسي مثل النساء الكبيرات وكذلك الأمهات المسؤولات عن إعالة أطفالهن.
أثار القرار عاصفة من الانتقادات والجدل. وينظر إلى الجدل الدائر حول مؤسسة "تافل" كجزء من هذا التحول الأوسع في المواقف تجاه اللاجئين في جميع أنحاء البلاد.
وعلى ما يبدو أن إجراءات الحد من استقبال مهاجرين ولاجئين جدد في بعض المدن الألمانية أصبح أمرًا واقعًا، وهذا على ما يبدو أيضًا سيخلق نقاشًا كبيرًا حول الاتجاه المستقبلي لسياسة استقبال اللاجئين في ألمانيا.
مهاجر نيوز