أخبار الهجرة

أسأل نفسي دائما… هل تبخر الحلم بالوصول إلى ألمانيا ؟

إيمان، لاجئة سورية هربت وولديها من ويلات الحرب التي ضربت مدينتها الرقة ولجأت إلى لبنان، لتبدأ من هناك رحلة لجوئها وسعيها للوصول إلى أوروبا.

 

في البدايه عام 2013 تعرضت مدينتي للحرب طاحنه في سوريا، كنا نشاهد باقي المدن ونقول الحمد لله المدينة مؤمنه. لكن في 2013 اصبحت ارض معارك. نزحت عائلتي إلى لبنان ومن هنا بدأت قصة لجوء.

وصلت إلى لبنان مع ابني وابنتي، سجلت مباشرة لدى أحد مكاتب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في منطقة خلدة حيث كنا نقيم، وبالطبع كان الأمل لدينا كبيرا.

المساعدات التي وصلتنا من المفوضية جاءت للأسف على قدر عال من خيبة الأمل، 45 دولارا أمريكيا للفرد شهريا كبدل طعام، الطبابة غير مشمولة بطبيعة الحال، علما أنني اضطررت إلى دخول المستشفى أكثر من مرة، وأولادي بحاجة للرعاية الطبية. أما التعليم فحدث ولا حرج، كلما توجهنا لمدرسة قالوا "عذرا هذه المدرسة ليست للسوريين"، ويعودوا ويرسلوني إلى إحدى المدارس في القرى المحيطة بدوام مسائي، وفي لبنان هناك الكثير من المشاكل الأمنية، فكيف أطمئن لإرسال أولادي إلى مدارس بعيدة عني.

قرار الهجرة

غادرت وعائلتي لبنان بعد خمس سنوات ولم يتغير شيء في وضعنا، عدا عن أننا شبعنا من الوعود.

هذا الواقع شجعني على خوض غمار الهجرة غير الشرعية، "يكفينا ذل في لبنان"…

عرض علينا شخص اسمه غ. ح.، وهو لبناني يحمل الجنسية الأوكرانية، أن يؤمن لنا تأشيرات إلى أوكرانيا، ومن هناك هو يتكفل بإيصالنا إلى ألمانيا. نعم، كان الأمل يحذوني ولم أتخيل حينها أنني أتعرض لعملية نصب. طلب غ. مبلغ 4500 دولار أمريكي كبدل رسوم للتأشيرات وحجز فندقي وقسائم الطيران، أخذ كل ما نملك واختفى.

تعرفت لاحقا على شخص يحمل الجنسية الأوكرانية يدعى أ. ف.، حاول بكل جهد ان يساعدني كي يكسب ثقتي. كنا نعرف عائلته في لبنان، وبالتالي وثقت به. عرض أ. علينا أن يؤمن تأشيرات لنا جميعا مقابل 5000 دولار أمريكي، اقترضت المبلغ من أقارب لي. للأسف، لم يف بما وعدني به وكانت هذه عملية الاحتيال الثانية التي أتعرض لها.

قررت أن أسعى إلى الذهاب إلى أوروبا بمفردي عبر تركيا. ذهبت مع أولادي إلى سوريا خلسة، دفعنا حينها 300 دولار للمهرب. عند وصولنا الى منتصف الطريق وجدنا ما يقارب 200 شخص، والمهرب تركنا. جاءت دورية للجيش اللبناني وقبضت علينا جميعنا، لكن رحمة الله كانت حاضره وتعاطف الضابط المسؤول معنا وسمح لنا بإكمال طريقنا.

من دمشق إلى الطبقة إلى أعزاز

عندما وصلنا دمشق، قررنا أن نتابع الرحلة باتجاه مدينة الطبقة السورية مع كامل علمي بخطورة الرحلة إلى هناك. هناك اكتشفت أن الحدود مغلقة، أحدهم قال لي أن أتوجه إلى مدينة أعزاز القريبة من الحدود مع تركيا، لم نتوفق أيضا وأرشدوني إلى إدلب، ومن هناك بدأت رحلة اللجوء الخاصة بي وبعائلتي الصغيرة.

 

 

لا أستطيع وصف العذاب الذي شعرنا به، الحشرات نهشت بشرتنا وأنفاسنا انقطعت

 

 

الأرقام التي كان يتقاضاها المهربون هناك كانت خيالية بالنسبة لي، 1200 دولار و1800 دولار على الشخص، سمعت أن المهربين على تنسيق مع حرس الحدود التركي لهذا الأسعار عالية. كان هناك تسعيرة رخيصة نسبيا، 600 دولار أمريكي للشخص، المهربون كانوا يقولون لي أن هذه الطريق خطرة "وأنت وحظك".

بعد معاناة أسبوعين، قمنا بالمحاولة الأولى عبر نهر العاص الفاصل بين تركيا وإدلب. في بداية الطريق كان علينا أن نجري سريعا حتى وصلنا إلى حقل مزروع بالفلفل الحار، كان علينا أن نعبر الحقل زحفا، لا أستطيع وصف العذاب الذي شعرنا به، الحشرات نهشت بشرتنا وأنفاسنا انقطعت.

بعد زحف ساعة، وصلنا إلى نهر بعمق 60 سنتم تقريبا، عبرناه سيرا على الأقدام. كنا محظوظين أننا لم نصادف عناصر من الجندرمه التركية، فهم لديهم أوامر بإطلاق النار على من يشاهدونه يعبر تلك المنطقة، ولا فرق بين طفل أو امرأة أو رجل أو كبير في السن.

وصلنا إلى الضفة الأخرى بسرعة، واصلنا الزحف ولكن في حقل قطن، حشرات وأشواك وثيابنا مبللة، الطين ملأ ملابسنا ما أبطأ حركتنا، والمهرب يصرخ يطلب منا الإسراع قبل الغروب لنتفادى الكاميرا الحرارية على المقلب الآخر من الحقل.

بعد حقل القطن، مررنا بجدول مياه آسنة ثم في حقل ذرة حيث ارتحنا قليلا. لاحقا أكملنا المسير، ولكن ليس بالسرعة المطلوبة. بعد فترة، وجدنا أنفسنا في حقول زيتون داخل الأراضي التركية، هناك كان عناصر الجندرمه بانتظارنا.

أعادونا إلى إدلب

قبض علينا جميعنا، اخذونا إلى ملعب كرة سلة حيث كان هناك مئات الأشخاص المحتجزين. كان ممنوع عنا طعام والشراب، تم تفتيشنا بدقه وأخذت بياناتنا، كما صودرت هواتفنا الخلوية. تلك الليلة هبطت درجات الحرارة بشكل كبير ونحن مبللون، لم ننم تلك الليلة كنا نراقب السماء ونصلي لأن تشرق الشمس لنحظى ببعض الحرارة.

في صباح اليوم التالي، أعادوا لنا الهواتف، كنا بانتظار أن يتم إعادتنا إلى إدلب.

عند الثانية بعد الظهر، وضعونا في باصات مخصصة لنقل المهاجرين وأعادونا إلى إدلب. عند مدخل المدينة طالعنا تجار جوالون يبيعون المياه المعدنية، تجاوز سعر القنينة ألف ليرة سورية لكن أجبرنا على شرائها.

لاحقا، ذهبنا الى بيت أحد المهربين حيث اغتسلنا وتناولنا الطعام ونمنا حتى صباح اليوم التالي. عرضا علينا المهرب أكثر من طريق غير نهر العاص. وافقنا على إحداها.

بعد ثلاثة أيام انطلقنا، عبرنا طريقا جباليا صعبا. وصلنا تركيا. حينها قام المهربون السوريون والأتراك بالادعاء بأننا مراقبون والجندرمه في كل مكان، وعلينا دفع مبلغ 100 دولار على كل شخص ليكملوا بنا الرحلة.

 

 

سرنا 18 ساعة متواصلة، كنا سبعة أشخاص ومعنا طفل في الـ10 من عمره. كنا جائعين والعطش يمزق أفواهنا، أسفل أقدامنا تشققت وباتت تنزف

 

 

اضطررنا للدفع، عانينا الأمرين حتى وصلنا الشطر الأوروبي من مدينة إسطنبول. مكثت هناك وعائلتي ستة أشهر، عانينا كثيرا وكان علي أن أجمع المبلغ المطلوب لأكمل الرحلة إلى أوروبا.

بعض تجار البشر طلبوا 1700 يورو للعبور بنا عن طريق البر، آخرون طلبوا 450 يورو عن كل شخص للعبور بنا عبر البحر. بعض الأشخاص ممن تعرفت عليهم عبر الفيسبوك أعطوني رقم مهرب يتقاضى أسعار أدنى بكثير، ولكن كل ما يقوم به هو العبور بنا نحو اليونان عبر نهر إيفروس، وبعد النهر نحن مسؤولين عن أنفسنا.

اشتريت جواز سفر أوروبي

عبر بنا المهرب النهر في النهار، سرنا بين الأشجار وعلى الطريق السريع، سرنا 18 ساعة متواصلة، كنا سبعة أشخاص ومعنا طفل في الـ10 من عمره. كنا جائعين والعطش يمزق أفواهنا، أسفل أقدامنا تشققت وباتت تنزف.

أحد الأشخاص معنا كان لديه نظام تحديد المواقع "جي بي أس"، تأكدنا من خلاله أننا بعيدين عن الحدود، فقمنا مباشرة بتسليم أنفسنا للشرطة.

وضعونا جميعنا في سجن، أحضروا لنا الطعام والماء وعلاجات لأقدامنا، وبعد أقل من نصف ساعة غط الجميع في سبات عميق حتى الصباح.

في اليوم التالي، خضعنا لتحقيق بسيط، ثم قاموا بأخذ بصماتنا وأعطونا الخارطية. أطلق سراحنا، ذهبت إلى معارف لي في اليونان. بعد مضي شهر، اشتريت جواز سفر أوروبي بـ700 يورو، وحجزت إلى ألمانيا. اكتشف أمري وصودر الجواز، وها أنا الآن في مخيم في منطقة لاريسا أنتظر، لا قدرة لي للدفع لمهرب مبلغ 3 آلاف يورو لأكمل الرحلة، ولا أريد أن أشتري جوازا آخر وأحاول مرة ثانية، هذا هدر للمال.

مضى على وجودنا في اليونان حتى اليوم ثلاثة أشهر، وأسأل نفسي دائما: هل حلم ألمانيا تبخر؟

 

 

 

 

 

 

 

infomigrants

زر الذهاب إلى الأعلى