“زواج مغربيتين” على الفضاء الأزرق يثير عاصفة
زواج، صداقة، خطوبة، حقيقة… انتشرت الكلمات في مواقع التواصل الاجتماعي، وراح الجميع يحدد أي علاقة تجمع بين فتاتين تشارك نشطاء "السوشيال ميديا" صورهما وهما تقبلان بعضهما وتتعانقان. القصة ابتدأت بعد أن تسرب فيديو للفتاتين المتحدرتين من مدينة في شمال شرقي المغرب، ولم تنته لحدود الساعة.
قصة هبة وفاطمة، كما راج في زوايا الفضاء الأزرق فتحت النقاش في المغرب حول قضية المثلية الجنسية التي يُعاقب عليها القانون هناك. كما قَسمت آراء مجتمع محافظ إلى مشجع لزواج المثليين و متقبل لفئة جديدة الظهور إلى العلن في مجتمعه وآخرين يرفضون ويعبرون عن غضبهم مما يقع في "دولة إسلامية".
الحديث عن المثلية الجنسية في المغرب، يقودنا أيضا إلى الحديث عن الحريات الفردية داخل هذا البلد، خاصة وأن هذا العامل قد يكون محددا أساسيا لوصف دولة ما بالآمنة أو لا. وهنا يمكن أن نقف عند موضوع النقاش الدائر حاليا في ألمانيا بهذا الخصوص، حيث رفضت بعض الجهات تصنيف المغرب، إلى جانب تونس والجزائر، بدولة آمنة وذلك لاعتبارات عدة.
DW عربية اتصلت بالفتاتين لتقصي الحقيقة، وتحدثت إلى متخصص في الموضوع لسبر أغوار القضية وكشف الوضع القانوني والمجتمعي لـ"مجتمع الميم" في البلد.
صديقتان أم حبيبتان؟
"هبة بالضبط مجرد صديقة"، كانت هذه إجابة فاطمة الزهراء لـDWعربية. فاطمة الزهراء الملقبة بـ"فاتي"، كما انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، أكدت أن الصور التي رآها جل المغاربة على الشبكات الاجتماعية كانت مجرد تحدي لهما من طرف صديقات أخريات، ولا علاقة له بميولهما الجنسية. وهو نفس ما قالته "هبة" في حديثها مع DWعربية، قائلة: "التقطنا هذه الصور في حفل عيد ميلاد، ولم نكن ننوي سوى الترفيه عن أنفسنا"، وأضافت: "أنا من أسرة محافظة ولم يتبقى على خطوبتها من رجل سوى أيام قليلة".
"فاتي" و"هبة" نفتا جملة وتفصيلا ما تداوله البعض بخصوص ميولهما الجنسية، لم يُصدقه كثر بمبرر أن الوضعيات التي التقطتها أعين الكاميرا لا تَنِم عن صداقة بقدر ما تَنم عن مثلية جنسية. ولم يتوقف رواد "فيسبوك" و"تويتر" عند هذا الحد، بل اعتبر الوضع أن تصرفات الفتاتين تتنافى مع تعاليم دين الدولة، كما أكد آخرون على أن هذا "منكر".
في المقابل، دافع البعض عن الفتاتين واعتبر القصة مرتبطة بالحريات الفردية التي لا يجب لأحد التدخل فيها. لكن هذا لم يحمهما من التعرض للمضايقات من طرف البعض.
ظلم وتهديد ووعيد!
الحديث إلى "فاتي" وهبة" يجعلك تعرف كم الخوف الذي تشعر به الاثنتان. فبالرغم من أنهما تنفيان وجود أي صلة لهما بما أُشيع حولهما إلا أن ذلك لم يحمهما من التهديد والمحاصرة بنظرات مجتمع لا يتقبل أن يكون أفراده بميول جنسية مغايرة، حسب قولهما.
"النصف في مدينتي يتوعدني، أتعرض للسب والقذف، ينوون إيذائي ويتصلون بي بشكل مستمر، كما يعلقون على الصور في مواقع التواصل الاجتماعي بطريقة سيئة جدا"، تصف فاطمة الزهراء وضعها في المجتمع بعد خروج الفيديو إلى العلن. هبة بدورها تؤكد على الظلم الذي تتعرض له، وتوضح قائلة: "المجتمع لن يتقبلنا بعد اليوم، بالرغم من أننا لم نقترف ذنبا".
ولكن أ لا توجد قوانين لتحميهما؟ وهل المثلية "جريمة"؟
قانونيا: السجن "للشاذين جنسيا"
"الحبس من 6 أشهر إلى 3 سنوات، وغرامة من 120 إلى 1000 درهما لمن ارتكب فعلا من أفعال الشذوذ الجنسي مع شخص من جنسه، ما لم يكن فعله جريمة أشد" بهذا الفصل الذي يحمل رقم 489 يعاقب القانون الجنائي المثليين جنسيا، ويصفهم بـ"الشذوذ".
طارق ناجي، الناشط في مجال الحقوق والحريات ومؤسس مجلة أقليات المهتمة بالأقليات الجنسية والدينية في المغرب ودول أخرى، تحدث لـ DWعربية في ذات السياق، قائلا: "نحن نرفض هذا المصطلح، لأنه غير محايد"، متحدثا عن "الشذوذ".
وفي الاتجاه نفسه اعتبر ناجي أن "القانون المغربي منغلق على نفسه وغير منفتح على العلوم والعالم، كما أنه لا يساير التطورات، سواء تعلق الأمر بالفصل 489 أو الفصول الأخرى". كما أكد على أن الهويات "الجنسية" و"الجندرية" متنوعة ولا تقتصر على ذكر وأنثى.
حيف اللغة أيضا!
إلى جانب الضغط التي يعيشه مجتمع الميم بسبب عدم تفهم المجتمع لميولهم، والعقوبات القانونية، توجد جهات أخرى ضاغطة، وهي اللغة والإعلام كما في المغرب مثلا.
الناشط الحقوقي تطرق في حديثه لهذه النقط، وقال إن "الإعلام في المغرب لا يتناول هذه المواضيع بحيادية". كما أشار في حديثه عن الموضوع إلى المقررات الدراسية وقنوات التنشئة التي توجه المجتمع إلى عدم تقبل هذه الأقليات الجنسية.
ناجي وصف اللغة العربية بـ"الفقيرة" فيما يخص المصطلحات الجنسانية، وأضاف في حديثه: "حتى لو كانت موجودة أومعربة فتكون موضوعة بسوء نية، مثل كلمة خنثى" على حد وصفه.
الهروب هو الحل؟
في الوقت الذي ترى فيه فاطمة الزهراء وهبة أن الحل هو الخروج من بلدهما، للنجاة من تلك الانتقادات، وتقولان إنهما تفكران فعليا في الهجرة. يؤكد ناجي أن تعليم الناس وتكوينهم على الانفتاح هو الحل الأنجع.
لكن، حين تؤكد الفتاتان أنهما تعرضتا لـ"الظلم" بظن البعض أن هويتيهما الجنسية مختلفة، ولا سيما أنّ القانون المغربي يُجرم هذه الأفعال، فكيف يمكن أن يصنف المغرب فعلا بأنّه دولة آمنة؟
الإجابة يمكن أن تقودنا نحو الحجج التي جعلت حزب الخضر الألماني يرفض تصنيف الحكومة الاتحادية للدول المغاربية (المغرب، الجزائر، تونس) كبلدان آمنة. وذلك بسبب الاعتقال أو الاضطهاد ووجود تقارير توثق لحالات التعذيب والمحاكمات غير العادلة هناك، علاوة على مشكلات التمييز الجندري الحادة التي تعاني منها مجموعة الدول المغاربية.
dw