باريس: معهد ثقافات الإسلام يحتفي بالحضارة الإنسانية رداً على التطرف
وفي باريس تأسس معهد ثقافات الإسلام عام 2006، مؤسسة ثقافية فرنسية، تسعى للحوار والتعريف بالثقافات ذات الصلة بالحضارة الإسلامية، لبناء جسر ثقافي متين بين مختلف الديانات، ويشكل مصدر معرفة وفهم واحترام متبادل، وتعايش بين الدين والفن بإسلام ثقافي يُحارب، ويواجه التشدّد، والتطرف الذي يُمثلهُ "الإسلام" السياسي.
وفي نوفمبر(تشرين الثاني) 2013 افتتح المبنى الثاني للمعهد على مساحة 1400 متراً مربعاً، مُخصّصة لتنظيم الندوات والمعارض الفنية والفعاليات الثقافية والموسيقية والاجتماعية، والدينية فضلاً عن تعليم اللغة العربية.
ويُولي المعهد اهتماماً خاصاً للفن المعاصر بما في ذلك فنون الأداء، والأدب، والرسم، والتصوير الفوتوغرافي، إضافة لتنظيم ورش عمل وعروض مسرحية وسينمائية، ورحلات للأطفال، والعائلات، والمدارس.
ويقع المعهد في منطقة شعبية تضم أحياء، كوت دور، وبرباس، ذات الغالبية العربية والمسلمة في الدائرة 18، في باريس.
ولكن المشروع لا يزال رغم ذلك حتى اليوم، يلقى بعض الرفض من جانب بعض من الفرنسيين، وحتى من بعض السكان المُسلمين، وفقاً لما أطلعت عليه، 24، بعد جولة في المعهد والمنطقة المُحيطة، وذلك رغم أن المعهد لا يبتعد في تأسيسه، وتمويله عن علمانية الدولة الفرنسية، والتقيد الصارم بقانون 1905 الذي يفصل بين الدين والسياسة، ويمنع تمويل الدولة للمشاريع الدينية.
وتؤكد بلدية باريس أنها لم تهد المعهد لإحدى الجمعيات الدينية التابعة لمسجد باريس الكبير، بل باعته لها مُقابل 2.2 مليون يورو.
ويوضح القائمون على المعهد أن العلمانية ليست ضد الدين، بل ضد سيطرة أي دين على المُجتمع والدولة، وهي مع تعدد الأديان، وتنوّع المُعتقدات وتفاعل الثقافات.
الإسلاموفوبيا
وبينما وجد كثيرون في المعهد فرصة لتعريف الفرنسيين بالإسلام الحقيقي المُتسامح مع الآخر، ومُحاربة الإسلاموفوبيا، وتعزيز الاندماج في المُجتمع الفرنسي من خلال الإسلام الثقافي، رأى آخرون أن لا فائدة من هكذا مشاريع لا يفهمها جميع المُقيمين في باريس، مُطالبين بالاستثمار في الحفاظ على التراث الثقافي المادي للعاصمة الفرنسية، والتي تحتاج بعض مبانيها التراثية لصيانة عاجلاً.. وفي مُجمل الأحوال فهو حوار صحي تخفّ حدّته مع مرور الوقت، واكتساب المزيد من الزوار للفعاليات الغنية التي يُنظمها معهد ثقافات الإسلام.
وكان دانيال فايون، عمدة الدائرة الـ 18 قال في خطاب افتتاح المعهد: "عرفنا إسلام الأقبية والأماكن الخفية وإسلام الشوارع، واليوم نحن فخورون جداً بهذا المشروع الجديد"، وذلك رغم استنكار الجبهة الوطنية الفرنسية المتطرفة حينها.
يُذكر أنّ صاحب فكرة إنشاء معهد ثقافات الإسلام هو بيرتران دولانويه، رئيس بلدية باريس سابقاً، المولود في بنزرت التونسية، وعشق ثقافة أهلها، فتولّد بحثه في باريس عن فضاء تتفاعل فيه الثقافات الإسلامية المُتعدّدة مع الفرنسية، ليكون ملتقى للجميع، ليس للمُسلمين فقط، بل للجميع، ليتقربوا من الثقافات الإسلامية ويتفاعلوا معها، واستنباط الأدلة من خلال الأنشطة على وجود حضارة إنسانية متبادلة بين الشرق والغرب.
وهو ما تؤكده اليوم مديرة المعهد، فيرونيك ريفيل، عن المعهد المفتوح للجميع دون استثناء، وسعيه لكسر الحواجز بالحوار والانفتاح.
وترى ريفيل الفرق واضحاً بين الإسلام الدين والإسلام الثقافة والحضارة، واحتواء المُنتمين لديانات، ومُعتقدات أخرى من سكان الدول الإسلامية الأمر الذي على الآخرين إدراكه أيضاً.
بغداد حبيبتي
يُذكر أن معرض، بغداد حبيبتي، وفعالياته الموازية ما زال متواصلاً في مقر معهد ثقافات الإسلام حتى 29 يوليو(تموز) الجاري، بمشاركة فنانين عراقيين وأوروبيين، منهم جواد سليم، ولورنا سليم، وضياء العزاوي، وآخرون ممن يُمثلون الحداثة والفن العراقي المعاصر.
ويتمحور المعرض حول السرقات الفنية والأثرية في 2003 عقب الاجتياح الأمريكي للعراق، ومبادرة بعض الفنانين لإحياء تلك الأعمال بنماذج منحوتة وصور تُحاكي الأصل لإعادة بناء بعض دمّرته الحرب في التراث الثقافي للعراق، وهو ما يُفسّر اسم المعرض المُستوحى من فيلم، هيروشيما حبيبتي، الذي يعرض للإنتاج الفني، بعد الكارثة وأهمية التخطيط والبناء للمستقبل.
وشاركت، كولين هوسّيه، أستاذة التاريخ الثقافي العربي في أوروبا بمعهد العلوم السياسية، في باريس، ومديرة وكالة فنية معروفة في باريس ولندن، بعرض موسيقي شيق كتبته وقرأته على المسرح عن العصر الذهبي للموسيقى العربية في بغداد، وعن حفلاتها الصاخبة في الماضي القريب، وعرضت بأسلوب ممتع للجمهور قصة الزوجين الفنانين العراقيين الراحلين ناظم الغزالي، وسليمة مراد، اللذين أطلق عليهما لقب عندليبَي بغداد، في دعوة لإعادة إحياء الزمن الجميل.