مدرسة ابتدائية إنكليزية تمد يد العون لعائلات مهاجرة
أكثر من عشرة تلاميذ من مدرسة "ساحة سوراي الابتدائية" تقدموا بطلبات للحصول على الجنسية البريطانية، وهذه عملية معقدة ومكلفة. وأمام الضغوط التي يتعرض لها أهالي هؤلاء التلاميذ، تحركت المدرسة ومعها أفراد من المجتمع المحلي للمطالبة بتخفيف قيود قوانين الهجرة وتخفيض سعر طلب الجنسية البريطانية.
روكيبات، 10 سنوات، تقف على مسرح كنيسة جميع القديسين في بيكهام في لندن أمام حشد من حوالي 300 شخص. يفترض بالفتاة أن تغني أمام هذا الجمهور. شعور الرهبة يسيطر على حواسها. عندما جاء دورها خطت إلى الأمام.
بصوت راجف بعض الشيء وحواس متنبهة لأي رد فعل من الجمهور، انطلقت حنجرة الفتاة الصغيرة، "لا أخاف الظلام، يقولون لي أن أختبئ، لا يريدون التعرف على شخصيتي الحقيقية…" الاغنية الشهيرة للفنانة الامريكية كيالاستل.
الصمت يخيم على القاعة، وحده صوت روكيبات يخترق سكون الأجواء. الجمهور مشدود إلى صوت وأداء الطفلة الصغيرة، التي راحت بدورها تكتسب المزيد من الثقة مع كل ثانية تمر.
مع أنها كانت تغني من دون ميكروفون، إلا أن صوتها دوى في أرجاء القاعة، ومع اقتراب الأغنية من النهاية واندماج صوت الكورس بصوتها، انفجر الجمهور تصفيقا لأداء الطفلة الرائع.
الطفلة روكيبات. مهاجر نيوز
عنوان الأغنية "هذه أنا" من فيلم The Greatest Showman on Earth تلائم وضع هذه الفتاة بشكل مناسب. فروكيبات قادمة من عائلة مهاجرة عاشت لفترة طويلة في الخفاء. ومع أنها ولدت في بريطانيا ولم تغادرها إلى أي بلد آخر، إلا أنها وعائلتها لم ينالوا الجنسية البريطانية بعد. حال روكيبات كحال 9 من زملائها في مدرسة "ساحة سوراي الابتدائية"، جميعهم ولدوا على أرياضي المملكة المتحدة لأبوين أجنبيين، وما زالوا بانتظار استكمال الإجراءات للحصول على الجنسية البريطانية.
جاءت أغنية روكيبات خلال افتتاح اجتماع لسياسيين محليين ومواطنين من منطقة ساوث وورك اللندنية. خلال هذا الاجتماع سيناقش نحو 30 تلميذا مع أهاليهم السياسيين إجراءات الهجرة المتشددة التي ستؤثر على حياة ومستقبل أطفال مثل روكيبات.
الانتظار حتى التاسعة من العمر
الأطفال المولودون لأبوين أجنبيين في المملكة المتحدة لا يتحصلون أوتوماتيكيا على الجنسية الإنكليزية، بل عليهم الانتظار حتى يبلغوا التاسعة من العمر ليتم تسجيلهم في قوائم خاصة بطلبات الحصول على الجنسية.
بالنسبة لروكيبات، الحصول على الجنسية سيغير حياتها بشكل جذري. تقيم روكيبات مع والدتها، ونتيجة لقوانين الهجرة واللجوء، عاشتا حياة متقلبة وغير ثابتة، وتنقلتا كثيرا بين مراكز الاستقبال المؤقتة.
الجنسية ستتيح لروكيبات الاستفادة من نظم الخدمات الاجتماعية والسفر والدخول إلى الجامعة. كما ستساعد والدتها على الحصول على وضعية قانونية بشكل أسرع، ما سيتيح لها العمل بشكل قانوني. حصول روكيبات على الجنسية سيفتح المجال أمامهما للهرب من ظروف الفقر التي يعيشان بها.
ثمن الجنسية
هناك مشكلة واحدة، في المملكة المتحدة، الجنسية ليست مجانية. فعلى الطفل الذي يطلب الحصول على الجنسية أن يدفع مبلغ 1,012 جنيه إسترليني، وهو مبلغ كبير بالنسبة لروكيبات ووالدتها.
في مدرسة "ساحة سوراي الابتدائية"، يعمل الأساتذة والإداريون على مدار الساعة لمساعدة التلاميذ على الحصول على الجنسية البريطانية.
مع الوقت، اكتسب فريق المدرسة خبرة كبيرة ليس فقط في إجراءات الحصول على الجنسية، بل بتخطي الكثير من المشاكل التي تعترض طرق العائلات نتيجة ضغط إجراءات الجنسية، منها الفقر وتأمين الطعام والتشرد.
"تحقيق التفوق الأكاديمي والشخصي للجميع"
تقع مدرسة "ساحة سوراي الابتدائية" في ساوثوورك. هذه الضاحية التي تقع جنوب لندن تعاني من تناقضات جمة، حيث يعيش نحو 35% من سكانها في إحدى أكثر الأحياء حرمانا في إنكلترا، وفقا لمجلس المدينة. كما يعيش معظم تلاميذ المدرسة في منطقة آيلسبوري، المتعارف على أنها أكبر منطقة تحوي مشاريع إسكان اجتماعية في أوروبا.
وفقا لإحصاءات 2013، 36,6% من سكان ساوثوورك هم أجانب، أي بنسبة أعلى من لندن (35,8% من سكانها أجانب) والمملكة المتحدة (13,6%). وينحدر معظم هؤلاء الأجانب من أصول أفريقية.
فيونا دايفيس تعمل في مدرسة "ساحة سوراي الابتدائية" منذ 16 عاما، بداية كمعلمة ولاحقا كمنسقة لشؤون العائلات والمجتمع. بالنسبة لها، بالمقارنة مع مدارس أخرى تركز على النتائج الأكاديمية لطلابها حصرا، فإن مدرسة "ساحة سوراي الابتدائية" تعتبر ذلك جزءا من مهمتها، إلى جانب دعم التلاميذ وعائلاتهم، انطلاقا من شعار المدرسة "تحقيق التفوق الأكاديمي والشخصي للجميع، يوميا".
تقول دايفيس "لا يمكن للأطفال أن يحققوا نجاحا أكاديميا إن لم يكونوا مرتاحين على المستوى الشخصي".
يجتمع فريق العمل في المدرسة كل ثلاثاء لمناقشة الأوضاع الاجتماعية للتلاميذ من ذوي الأوضاع الصعبة. فأغلب عائلات هؤلاء التلاميذ تعاني من قضايا مرتبطة بالهجرة كعدم الحصول على مسكن لائق أو عدم الوصول إلى عمل شرعي مناسب.
الآن، غالبا ما يعرج أهالي التلاميذ على مكتب دايفيس يوميا للحصول على استفسارات متعلقة بقانون الهجرة، وهذه الثقة ليست نابعة فقط من معرفة دايفيس وزملائها بقانون الهجرة، وإنما من قيامهم بمساعدة العديد من العائلات بمناسبات عدة وحتى التواجد معهم أثناء انتقالهم من مركز إيواء مؤقت إلى آخر.
قصص الأطفال متشابهة
أربعة طلاب، روكيبات وعايشات ودانييل وأنجولولوا، يبلغون من العمر 10 سنوات، تحدثوا لمهاجر نيوز عن كيفية تأثير سياسات وزارة الداخلية البريطانية على حياتهم الشخصية.
جميع هؤلاء الأطفال لديهم قصص متشابهة، جميعهم ولدوا في بريطانيا لوالدين من نيجيريا وهم في مرحلة طلب الجنسية. وخلال مرحلة ما، قطعت المساعدات عن عائلاتهم كافة وكانوا عرضة للتشرد.
تبادل الأطفال الأدوار حول قصص حياتهم اليومية. تقول عايشات "لم يكن الوضع جميلا، فليس مريح أن تتشارك الحمام والمطبخ مع عائلات أخرى، لا يمكنك أن تعرف ماذا ستجد في الحمام، والمطبخ رائحته بشعة".
أنجولولوا تقول بدورها "الميلاد لم يكن جميلا في مركز الاستقبال، لم يكن هناك طعام كاف للجميع كما أن المطبخ ظل مشغولا". يتدخل دانييل ليقول "وأنا أيضا، لم يكن الميلاد بالنسبة لي جميلا، الأطفال الآخرين كانوا يستمتعون بهداياهم أما أنا فلم أحصل سوى على قميص وبنطال".
تتعرض عائلات هؤلاء الأطفال هذا العام لضغط شديد، إذ على كل عائلة أن تدفع مبلغ 1,012 جنيها لتأمين جنسية لأحد أبنائها. جميعهم يشتكون من الضغط الذي يقاسيه آباؤهم.
يقول دانييل "يعاني أبي من التعب بشكل دائم، فهو ينهض باكرا للذهاب إلى العمل، لا نراه كثيرا".
"أبي أيضا" تقول عايشات.
أما روكيبات فقالت إنها تنام وأمها في غرفة واحدة في منزل مشترك، وتضطر والدتها للاستيقاظ يوميا عند الساعة 3:45 فجرا للذهاب إلى العمل.
ثمن الجنسية كان الموضوع الرئيسي الذي أثاره التلاميذ وأهلهم وفريق عمل المدرسة مع سياسيي ساوثوورك، الذين وعدوا بدورهم بالنظر في هذا الموضوع. وكان عمدة لندن، صادق خان، قال في وقت سابق أنه سيعمل على تخفيض تكاليف طلب الحصول على الجنسية.
أفضل مفاجأة
بداية الربيع الحالي، تلقى دانييل أفضل مفاجأة بالنسبة له، ستغير مجرى حياته كاملة. ففي أحد الأيام، تسللت أخته من وراء ظهره وأغمضت عيناه، اعتقد أن والدته قد جاءت له بالآلة الموسيقية التي كان طلبها، ولكن ما وجده جعله يطير من الفرح، كان قد نال الجنسية البريطانية وأخته كانت تحمل بيدها جواز السفر الأحمر.
"كنت سعيدا جدا، غمرت أمي لعشر دقائق متواصلة" يقول دانييل. وعند سؤاله عن سبب فرحه الغامر بجواز السفر الإنكليزي يوضح "هذا الجواز سيخفف من الأعباء عن كاهل أمي".