هنا اوروبا

الناخبون يعاقبون الحزبين الرئيسيين في إسبانيا

أظهرت نتائج الانتخابات الإسبانية الأحد مشهداً أكثر تعقيداً من انتخابات أبريل(نيسان) الماضي، وهو ما أرجعه محللون إلى ملل الناخبين من تكرار العملية الانتخابية، والشلل السياسي والاقتصادي بسبب الاتهامات المتبادلة بين القوى السياسية التي لم تتمكن من التوصل لتفاهمات تؤدي إلى تشكيل حكومة مستقرة خلال الأشهر الـ 6 الماضية، إضافة إلى تصاعد الخلافات حول كيفية التعامل مع الدعوات الانفصالية بإقليم كتالونيا.

كما أدت نفس الأسباب إلى تصدع الكتل المؤيدة للحزبين الرئيسيين، الحزب الشعبي المحافظ والحزب الاشتراكي، وسطوع نجم أحزاب من اليسار واليمين، بل واليمين المتطرف متمثلاً في حزب فوكس (VOX) الذي شكل مفاجأة الانتخابات وقفز إلى مرتبة القوة الثالثة بالبرلمان بعد حصوله على 52 مقعداً، مقارنة بـ 24 مقعداً كان قد حصل عليها في انتخابات أبريل(نيسان) الماضي.

يشار إلى أن رئيس الحكومة المؤقتة الاشتراكي بدرو سانشيز، كان قد دعا لانتخابات جديدة أجريت أمس، بعد فشلت القوى السياسية في التوصل لتفاهمات تؤدي إلى تشكيل الحكومة، بعد فوز حزبه بـ123 مقعداً فقط في انتخابات أبريل(نيسان) الماضي، وعدم حصوله على الأغلبية المطلقة التي تمكنه من الحكم منفرداً، وهي 176 من أصل 350 مقعداً.

وعلى عكس ما توقع سانشيز من تكرار العملية الانتخابية، فقد فاز للمرة الثانية ولكنه خسر 3 مقاعد بحصوله على 120 فقط، في حين استطاع غريمه التاريخي الحزب الشعبي المحافظ، رفع عدد مقاعده من 66 إلى 88، كما أسفرت المفاجآت إلى خسارة اليساري أيضاً حزب بوديموس (متحدون نستطيع) لـ7 مقاعد بحصوله على 35 مقعداً فقط، وهبوط مدو لحزب مواطنون الليبرالي إلى 10 مقاعد مقارنة ب57 كان قد فاز بها في أبريل(نيسان) الماضي.

ويرى محللون أن الوضع الجديد يحتاج إلى معجزة من أجل التوصل إلى تفاهمات تمكن سانشيز من تشكيل حكومة مستقرة، خاصة بعد تأكيد الشعبيين على نيتهم عدم التخلي عن معارضتهم له، ما يفيد بضياع الحل الأقرب والذي قد يكون تاريخياً، بتوافق بين القوتين الكبيرتين لتشكيل حكومة ائتلافية تسمح بوضع حد للشلل السياسي والاقتصادي الذي تعاني منه إسبانيا، في ظل موازنة عامة للدولة يجري العمل بها منذ 3 سنوات متتالية.

ففي حين أكد سانشيز على نيته العمل اعتباراً من اليوم الثاني للانتخابات على تشكيل حكومة تقدمية برئاسة حزبه، اكتفى زعيم الحزب الشعبي بابلو كاسادو بإعلان تمسكه بمبادئ حزبه، مشيراً إلى أن مصالحه لا تتطابق مع مصالح الحزب الاشتراكي، في الوقت الذي دعا فيه سكرتير عام الحزب تيودورو جارسيا، سانشيز إلى التفكير بالرحيل.

كما لفت الحزب الشعبي إلى أنه لا يفكر في تسهيل حصول الزعيم الاشتراكي الفائز في الانتخابات للمرة الثانية على أغلبية بسيطة في البرلمان تمكنه من تشكيل حكومة، وهو ما قد يحدث في حالة امتناع الشعبيين عن التصويت، كأحد الخيارات المطروحة على سبيل المعجزة من أجل حلحلة الأزمة السياسية والتي تلقي بظلالها على الوضع الاقتصادي في خامس اقتصاد داخل الاتحاد الأوروبي.

ويبقى أمام سانشيز محاولة التحالف مع أحزاب مثل بوديموس اليساري ومواطنون الليبرالي، إضافة إلى قوى أخرى صغيرة وأحزاب غير انفصالية من أجل الحصول على الأغلبية المطلقة، وهو ما قد يستلزم تقديم تنازلات تؤدي إلى التوصل لحلول وسط تجاه قضايا عديدة بداية من الصحة والتعليم وحتى المواطنة، والرؤية تجاه كيفية التعامل مع الحركات الانفصالية بإقليم كتالونيا.

يذكر أن الحزب الشعبي والحزب الاشتراكي ظلا يتناوبان على السلطة في إسبانيا خلال عقود حتى بدأ الحزب الشعبي في التعثر بداية من 2015، ما تسبب في عدم تمكنه من الحصول على دعم برلماني للموازنة العامة للدولة، وأدى ذلك إلى قيام الحزب الاشتراكي بإزاحة رئيس الحكومة المحافظ ماريانو راخوي منتصف 2018 من خلال استفتاء على سحب الثقة في البرلمان، وتشكيل حكومة مؤقتة برئاسة سانشيز.

ودعت حكومة سانشيز إلى انتخابات عامة في أبريل(نيسان) الماضي حصل فيها الحزب الاشتراكي على 123 مقعداً، في حين هبط الشعبي من 137 إلى 67 مقعداً، بينما توزعت أصوات عدد لا بأس به من الناخبين على أحزاب مثل بوديموس اليساري (42) ومواطنون اليبرالي (57) واليميني المتطرف فوكس (24).

ومع فشل الأحزاب السياسية في الاتفاق مع سانشيز لبلوغ الأغلبية بالبرلمان وتشكيل حكومة، واستمرار الاتهامات المتبادلة بينهم، قرر رئيس الحكومة المؤقتة الدعوة لانتخابات جديدة في 10 نوفمبر(تشرين الثاني) الجاري، أملاً في ثقة الناخبين الإسبان وقدرتهم على حلحلة الأزمة السياسية، وهو ما جاء كما يبدو بنتيجة عكسية أظهرت ملل الإسبان من تفتت القوى السياسية وعدم قدرة زعمائها على التوصل إلى تفاهمات تصب في مصلحة الحياة السياسية والاقتصادية لخامس اقتصاد أوروبي.

24
 

زر الذهاب إلى الأعلى