هنا اوروبا

يوسف… سوداني مبدع يثير اهتمام الإعلام الفرنسي

في العام 2014 قرر يوسف حليم مغادرة بلده السودان بسبب الاضطهاد السياسي، وخلال رحلة الهجرة فقد أخاه الأصغر، وكاد يفقد حياته بسبب العنف في ليبيا وجشع المهربين الذين رموه مع أكثر من مئة مهاجر على متن مركب صغير وسط البحر. اليوم وبعد أن نجا من رحلة الموت، يحاول أن يجد لنفسه مكانا في فرنسا من خلال المشاركة في انتاج أعمال أدبية وسينمائية. وقد حظيت تجربته هذه باهتمام كبير من وسائل الإعلام.

 

حظي المهاجر السوداني يوسف حليم باهتمام وسائل الإعلام منذ أن وصل إلى فرنسا في العام 2015. صحيح أن قصته تتقاطع في كثير من تفاصيلها مع حكايا آلاف المهاجرين الآخرين، لكن هذا الشاب الداكن البشرة العريض المنكبين له ما يميزه عن غيره. فيوسف قضى سنوات من حياته في "النضال" ضد حكم الرئيس السوداني عمر البشير، ولدى وصوله إلى فرنسا قرر متابعة مسيرته "النضالية"، لكن بعيدا عن عوالم السياسة. إذ يعتبر أن لديه "رسالة" يؤديها  لتغيير نظرة المجتمع عن المهاجرين الآتين من البلدان البعيدة. وكانت آخر إطلالة إعلامية له، الأسبوع الماضي، مع الإذاعي الفرنسي، غيوم موريس، في برنامج ساخر على اموتج اذاعة فرانس انثير ينتقد الصور النمطية التي يتم إلصاقها باللاجئين والأفكار المغلوطة المتداولة عن هؤلاء الهاربين من الحروب والاضطهاد.

جذب يوسف اهتمام الإعلام منذ منتصف العام 2016 عندما نشر رسالة جريئة في مجلة "إسبري" الفرنسية، ذات التوجه اليساري، وعنونها باسم  رسائل عشوائية . وكتب في ثلاث صفحات انتقادات وجهها إلى المجتمع الفرنسي والطبقة السياسية الحاكمة، مستنكرا النظرة الدونية التي قد يحملها البعض للاجئين، وقسوة الإجراءات الإدارية التي يخضع لها طالبو اللجوء. فبالنسبة للشاب البالغ من العمر 32 عاما، الاندماج في المجتمع الجديد يحتم عليه ألا يلتزم الصمت، بل أن "يعرف الآخرين برؤيته الخاصة للمجتمع ومشكلاته".

 

            المهاجر السوداني يوسف حليم مع الإعلامي الفرنسي غيوم موريس في باريس (أرشيف شخصي)

 

 

 

أخبرنا يوسف أنه حصل على شهادتين جامعيتين من بلاده إحداهما في مجال الهندسة المعلوماتية وأخرى في مجال الهندسة البحرية، لكن أبواب العمل كانت موصدة في وجهه عندما كان في السودان، وذلك بسبب مواقفه السياسية المناهضة للطبقة الحاكمة. وكانت نقطة التحول بالنسبة له في العام 2014، عندما تلقى تهديدات بالموت من قبل أحد قادة الحزب الوطني الحاكم، بعد نقاش سياسي حاد دار بينهما في الجامعة. فقرر مغادرة البلاد مع أخيه، الذي فقد أثره أثناء رحلته، باتجاه ليبا. وقد ساعدته والدته التي باعت بعض أغراضها الخاصة لتسديد ثمن عملية التهريب.

 

الوصول إلى ليبيا

عندما وصل يوسف إلى بنغازي كانت المدينة ماتزال تحت سيطرة جماعة "أنصار الشريعة" المسلحة، وبعد أسابيع بدأت حملة عسكرية بقيادة الجنرال الليبي خليفة حفتر، لإخراج مقاتلي تلك الجماعة من المدينة. "كنت أعيش في منزل متهالك مع مجموعة من 15 سودانيا، وكان الجيش يسوقنا لتنظيف الخيام في أماكن تمركزه التي لم تكن آمنة بتاتا. صوت الرصاص لا يتوقف. حتى أن أحد أصدقائي فقد حياته برصاصة طائشة". وكان عناصر الجيش يهددونهم بالحبس ما لم يؤدوا أعمال التنظيف، وكانوا يعطونهم "برتقالا أو أكياسا من المعكرونة لقاء ذلك الجهد". لم يعد أمامه بديل عن الرحيل من ليبيا، "فالحياة في بلد مضطرب دون أوراق إقامة نظامية ودون عمل أمر لا يحتمل"، وكان الحل بالتوجه إلى طرابلس ثم إلى زوارة، حيث انتظر حتى جمع قدرا ماليا لدفع ثمن الرحلة.

 

 

ركوب البحر

وفي نهاية شهر أيار/ مايو 2015 ركب قاربا بلاستيكيا على متنه نحو 110 إلى 120 شخصا، ويقوده مهاجر سنغالي. "كنا نخاف أن يكشف خفر السواحل الليبي أمرنا، كما كنا مرعوبين من البحر". بعد نحو ثلاثة أيام من التيه بين الأمواج، ورؤية الماء ينفذ إلى سطح مركبهم، بدؤوا يدركون أن النهاية قد حانت. "لم أكن أعرف إن كنت حيا أو ميتا؟ إن كنت في الحلم أم في الواقع؟" المهاجرون كانوا يرددون الصلوات بعضهم يصلي للمسيح وآخرون يطلقون الشهادتين". لكن النجاة كانت من نصيبهم في نهاية المطاف، فقد وصلت سفينة إيرلندية لإنقاذهم بعد أن تم الإبلاغ عن وجودهم. نقلتهم سفينة الإنقاذ إلى إيطاليا. وبعد أيام قضاها في هذا البلد الأوروبي، أقنعه صديقه بضرورة المغادرة والتوجه إلى بريطانيا، "لأنها ناطقة بالإنكليزية ولأن إجراءات اللجوء فيها غير صعبة".

 

 

 

"فرنسا المعاناة"

تمكن يوسف من اجتياز الحدود من مدينة فنتيميليا الإيطالية إلى نيس الفرنسية سيرا على الأقدام داخل أنفاق للطرق السريعة غير مخصصة لعبور المشاة. "كنت أضع سماعات في أذني كي لا يتسلل الخوف إلى قلبي عندما تمر السيارات والشاحنات المسرعة على بعد سنتمترات مني". مشى لنحو ثماني ساعات إلى أن تمكن من رؤية إشارة تؤكد أنه أصبح على الأراضي الفرنسية.

الوصول إلى فرنسا لم يكن نهاية رحلة الآلام، فقد افترش الطرقات لأيام قبل أن يجد مخيما يؤويه، واعترضته الكثير من العقبات الإدارية قبل الحصول على صفة "طالب لجوء". وبعد أشهر من الانتظار صدر قرار "هيئة شؤون اللاجئين الفرنسية" في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017 برفض الطلب، فقد اعتبرت الهيئة أن يوسف لا يملك ما يكفي من الأسباب للحصول على صفة لاجئ. لذا بدأ معركة أخرى من أجل تسوية وضعه على الأرضي الفرنسية، وانتهت بحصوله على إقامة "فنية" يتم تجديدها كل عام، على خلفية ارتباطه بإنتاج أعمال أدبية وسينمائية في فرنسا. يلخص معاناته السابقة في باريس مع السكن وأوراق الإقامة مازحا بقوله: إن اسم "فرنسا" مشتق من "المعاناة"، موضحا أن كلمة فرنسا باللغة الفرنسية هي "فرانس" وكلمة المعاناة "سوفرانس".

 

المهاجر السوداني يوسف حليم خلال مداخلة له حول تجربة الهجرة في باريس  (أرشيف شخصي)المهاجر السوداني يوسف حليم خلال مداخلة له حول تجربة الهجرة في باريس (أرشيف شخصي)

 

 

 القلب معلق في فرنسا

رغم حبه الكبير للحياة في فرنسا، لكن يوسف يقول إن العنصرية أصبحت واضحة في المجتمع مع تزايد شعبية تيارات اليمين المتطرف، وكثيرا ما تعترضه مواقف تنم عن "العنصرية والتمييز بوصفه مهاجرا ببشرة سوداء". آخر تلك الحوادث تعود إلى شهر أيار/ مايو الماضي، عندما كان يشارك في محاضرة عن "أدب الهجرة"، ضمن مهرجان فوياجور ايتونان  في باريس. وبعد انتهاء مداخلته قالت له سيدتان "نحن لا نحب من لا نعرفهم" في إشارة إلى رفضهما للمهاجرين، وأوضحتا بالقول إن موجة الهجرة الأخيرة حملت لاجئين "لا يقاسموننا نفس لون البشرة والديانة واللغة".

احتكاكه بالمتطوعين في مركز لا شابيل لمساعدة المهاجرين، دفعه إلى دراسة هذه الفئة في أطروحة يحضرها حاليا بقسم الأنثروبولوجيا في "المدرسة العليا للعلوم الاجتماعية بباريس"، لنيل ماجستير من الدرجة ثانية، إذ يرى يوسف أن الأبحاث والأفلام والمقالات تركز دائما على اللاجئين، لكنه يود من خلال دراسته أن يفهم الدوافع التي تدفع ببعض المتطوعين إلى الاهتمام باللاجئين والعمل معهم.

ويرفض حاليا الاعتماد على الإعانات الاجتماعية. لقد تلقى لنحو عام المساعدات كطالب لجوء، لكن سريعا بدأ يعتمد على نفسه، مستفيدا من خبرته في مجال المعلوماتية والتقنية. ويعمل حاليا مع منظمة حقوقية بريطانية تهتم بشؤون الصحافيين السودانيين، ويتوقع أن يحصل قريبا على عقد طويل الأجل معها. فضلا عن عمله، ينكب كذلك على إنجاز أعمال أدبية تدور حول "رحلة اللجوء"، ويتوقع أن تنشر في وقت قريب.

أما عن القلب، فقد أخبرنا يوسف أنه مرتبط بـ "فتاة أحلامه" منذ سنتين. التقيا عندما كان يعّلم اللغة العربية في مراكز لللاجئين والمهاجرين في باريس، وكانت هي تعطي دروسا في اللغة الفرنسية. ويوضح بالقول "لم أعد أستطيع مغادرة باريس. في الماضي كانت تربطني أوراق الإقامة بها، لكن الآن أصبح قلبي معلقا بها".

 "نحن اشترينا الموت"

ينصح يوسف اليوم المهاجرين ألا يسلموا أنفسهم للمهربين ويلقوا بأنفسهم في رحلة الموت :"البشر عموما يخافون من الموت، لكن نحن [المهاجرين] اشترينا الموت، والمعاملة البخسة والذل. فعندما تضع حياتك بأيدي المهربين، لا تعود من بني البشر لأنهم ينظرون لك كسلعة تجلب لهم المال. صحيح أن الناس يحترمون مصدر رزقها، لكن المهربين لا يحترموننا رغم أننا ندفع لهم المال". 

 

 

 

 

 

 

 

infomigrants.

زر الذهاب إلى الأعلى