بروكسل تعرض رؤيتها المستقبلية لعلاقاتها مع لندن
يستعد الاتحاد الأوروبي للإعلان في غضون الأيام القليلة المقبلة عرض الخطوط العريضة لرؤيته للعلاقات المستقبلية مع لندن، أي بعد انسحابها وانتهاء المرحلة الانتقالية في نهاية شهر ديسمبر (كانون الأول) 2020، ليتم تبنيها بعد ذلك من قبل الزعماء الأوروبيين خلال القمة في وقت لاحق من الشهر الحالي في بروكسل. وجاءت ردود الأفعال إيجابية في الأوساط الأوروبية على ما جاء في الكلمة التي ألقتها رئيسة الوزراء البريطانية تريزا ماي الجمعة وتحدثت فيها عن رؤية بلادها لمستقبل العلاقات مع أوروبا بعد خروجها من التكتل الأوروبي.
وفي هذا الصدد، عبر رئيس الوفد الأوروبي لمفاوضات بريكست، ميشيل بارنييه عن ارتياحه لما جاء في كلام ماي، خاصة نية بلادها ترك السوق الأوروبية الموحدة والاتحاد الجمركي، وقال إن «هذا الوضوح سيساعد في إعداد الخطوط العريضة لمستقبل العلاقات بيننا»، حسب تغريدة له على «تويتر». ولفت بارنييه النظر إلى «إقرار» المسؤولة البريطانية بضرورة إجراء مقايضات وتقديم تنازلات من كلا الطرفين.
وكانت ماي قد أكدت في خطابها بأن أياً من الطرفين، أي الاتحاد الأوروبي وبلادها، لن يحصلا على كل ما يريدان من مفاوضات بريكست. كما حددت بأن بريطانيا لن تقبل باتفاق شراكة مع بروكسل لا على النموذج الكندي ولا النرويجي، مستدركة: «لكننا نرغب مع ذلك باتفاق تجاري مع الأوروبيين»، على حد قولها. وفي مسألة الحدود بين آيرلندا الشمالية وآيرلندا، شددت ماي على عزم بلادها البحث عن حلول يتم من خلالها تجنب إقامة حدود فعلية بين آيرلندا الشمالية وجمهورية آيرلندا عضو الاتحاد الأوروبي، مشيرة إلى إمكانية اللجوء إلى وسائل التقنيات الحديثة لضبط حركة الأفراد بين الطرفين. ويأتي ذلك فيما أشارت تقارير إعلامية في بروكسل إلى أن مصادر أوروبية مطلعة أكدت أن كلام ماي، على الرغم من أهميته، لم يؤد إلى إزالة كل التساؤلات الأوروبية خاصة حول كل تفاصيل الانسحاب والمرحلة الانتقالية. وجاء ذلك بعد أن قال البلجيكي غي فيرهوفستاد رئيس اللجنة التابعة للبرلمان الأوروبي المعنية بملف مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أن اللجنة أحيطت علما ببيان سياسة الحكومة البريطانية والتوضيح حول ما سيتم تقديمه لمواطني الاتحاد الأوروبي الذين سيذهبون إلى بريطانيا خلال المرحلة الانتقالية وسيكون لهم من حيث المبدأ حق الاستقرار في بريطانيا. وجاء في البيان الذي وزع على الصحافيين من مقر البرلمان الأوروبي ببروكسل: «مع ذلك لا يمكننا قبول أي شكل من أشكال التمييز بين مواطني الاتحاد الذين يصلون قبل أو بعد بدء عملية انتقال، ويجب أن تطبق القوانين الأوروبية خلال فترة الانتقال بما في ذلك ما يتعلق بالمواطنين، ومن غير المقبول أن يكون هناك أي تمييز بين الموطنين، أو إجبار الذين يصلون خلال المرحلة الانتقالية على القبول بمستوى أدنى من الحقوق، وخصوصاً فيما يتعلق بمسألة التجمع العائلي واستحقاقات الأطفال والحصول على سبل الإنصاف القضائي عن طريق محكمة العدل الأوروبية».
ونوه فيرهوفستاد إلى أن النواب في البرلمان الأوروبي سبق أن شددوا في قراراتهم مرارا وتكرارا على أهمية ضمان معاملة متساوية وعادلة لمواطني الاتحاد الأوروبي الذين يعيشون في المملكة المتحدة والمواطنين البريطانيين الذين يعيشون في الاتحاد الأوروبي.
ويأتي ذلك بعد أن نشرت المفوضية الأوروبية في بروكسل، الأربعاء الماضي، مشروع اتفاق انسحاب بريطانيا من عضوية الاتحاد الأوروبي، ومشروع الاتفاق هو عبارة عن ترجمة بالمصطلحات القانونية للتقرير المشترك من مفاوضي الاتحاد الأوروبي وبريطانيا بشأن التقدم المحرز خلال المرحلة الأولى من المفاوضات، والذي نشر في الثامن من ديسمبر الماضي، والذي تضمن اقتراحا لنص يضم قضايا الانسحاب المعلقة التي وردت في التقرير المشترك، كما يدمج النص المتعلق بالفترة الانتقالية استنادا بالتوجيهات التفاوضية التي اعتمدها مجلس الاتحاد الأوروبي في 29 يناير (كانون الثاني) 2018. وقالت المفوضية إنها نشرت مشروع اتفاق الانسحاب على الإنترنت وفقا لسياسة الشفافية التي تتبعها مفوضية الاتحاد الأوروبي. ويحرص الأوروبيون على التأكيد على عدم إمكانية البدء بالمرحلة الانتقالية ما لم يتم الاتفاق على بنود الطلاق كافة، وهي حقوق المواطنين والتسوية المالية والحدود بين آيرلندا وآيرلندا الشمالية. ولا تزال هناك نقاط خلاف كثيرة بين الطرفين، سواء فيما يتعلق باتفاق الانسحاب، فبروكسل تريد أن يُعامل مواطنو الدول الأعضاء بالتساوي سواء وجدوا في بريطانيا قبل الانسحاب أو أثناء المرحلة الانتقالية، وهو ما ترفضه لندن. وترفض بريطانيا كذلك تحديد أجل زمني للمرحلة الانتقالية، كما أنها تتردد في إعلان موقفها حول الحدود مع آيرلندا، ولكن بارنييه يرى أنه «لا يمكننا ترك المرحلة الانتقالية مفتوحة الأجل، كما يتعين إزالة الغموض حول مسألة آيرلندا».
وكان الاتحاد قد عرض أن تستمر المرحلة الانتقالية ما بين 29 مارس (آذار) 2019 ونهاية شهر ديسمبر 2020، ليتوافق ذلك مع نهاية الأجل الفعلي للموازنة الأوروبية المشتركة التي ساهمت فيها بريطانيا. وكان بارنييه قد عرض قبل أيام قليلة أمام وزراء خارجية الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد مسيرة المفاوضات مع بريطانيا، والتي لا ينظر إليها بكثير من التفاؤل.