آراء

نعيم عبد مهلهل: عبادي العماري لاجئاً في اسبانيا

لا أحد غيري يعرف بالعلاقة الحميمية بين المطرب الإسباني خوليو اجليسياس والمطرب العراقي (عبادي العماري ) ، واعترف بأني أنا مَنْ مدَّ أواصر المودة بين الأثنين عندما كنت ارتدي جمال الغابات الاندلسية في مدن قشتالة وطليطلة واشبيلية وقرطبة وغرناطة صاعدا بأحلام ترحالي كما فعل إبن بطوطة من طنجة حتى جبال الألب ، حيث سكنني شوق غريب لأخرج كاسيتات المنفى التي حرصت أن تكون مع مسجل صغير في حقيبتي محملة بعطر غناء الريف وأساطيره الملونة بالحنين ودموعه السومرية التي ابقيتها مكتوبة بالطباشير على سبورة الصف في مدرسة القصب التي عينت فيها لأول مرة في قضاء الجبايش .
وفي هذه الرحلة إخترت مطربا يقودني بحنينه الى امكنة الحلم وشوارع دلمون هو ( عبادي العماري ) المولود عام 1941 في قرية النكارة الواقعة على ضفاف الجدول المسمى بأسمها والذي يصب في اهوار الصحين حيث تنتشر فيه القرى الغافية بين غابات القصب والبردي.
احببت هذا المطرب مع الحشد الرائع من صناع البحة السومرية الحزينة ، داخل حسن وناصر حكيم وجبار ونيسه وعبد الزهرة مناتي ، فكانت اغنيته التي سكنت الطرقات الاسبانية والمسماة (سامحيني يا نبعْ ريحان ) تعيدني الى فطرة الغواية في قلوبنا الريفية يوم غزا القرى والمدن الجنوبية جنون تسجيلات شرهان كاطع ورحيم العبودي التي صدحت اشرطتها بأصوات عبادي ونسيم عودة وسلمان المنكوب وحسين سعيدة وجلوب العماري.
كنت اهز رأسي فرحا بنشوة صوت عبادي في البيئة الاندلسية عندما لفتت حركة رأسي فتاة اسبانية بسحنة سمراء ورثتها من دم اندلسي لسيدة عربية ربما أتت مع طارق بن زياد من الشام أو بغداد ليبدو الوجه بجماله الشرقي اليفا بسحنته الساحرة .
ابتسمت وقال :عفوا ما الذي يسعدكَ ؟
قلت :اغنية احبها لمطرب ولد في مدينة العمارة العراقية إسمه عبادي واغنيته ( سامحيني ) .
ــ آه خليلو اجليسياس لديه اغنية بهذا الاسم ، ربما مطربكم سمعها منه وترجمها الى عربية.
قلت : سيدتي مطربونا لا يسرقون ، وما يغنونه لا يغنى مثله في أي مكان في العالم.
ــ لنقل توارد خواطر ؟
ــ ولا حتى توارد خواطر .
إذن دعني اسمع الاغنية .
أعطيتها السماعة فسمعت ،لتسري فيها نشوة موسيقى لحن الاغنية ، شيء من سعادة سكنتها وهي تتلوى على مقعد الحافلة وترقص بمرح ، وهي تقول :لا افهم ما يقول لكني افهم حماس حنجرته وصدق إحساسه، أنه مثل خوليو يصنع رومانسية غريبة ، ليت اجليسياس يسمعه ، لدعاه هنا ليغني.
ــ للأسف لقد مات منذ أعوام .
ــ اه ، وهل صنعوا له تمثالا ؟
ضحكت وقلت : صنعناه ولكن في أزقة النسيان واشرطة الكاسيت.
تمنيت أن تعطيني هذا الشريط ، فربما ذات يوم سأجد خوليو صدفة في مكان ما واقول له :ليس وحدكَ من غنى سامحيني . غيرك في بلد بعيد اسمه ( العمارة ) من غناها .
سيسكنه الفضول وسيطلب مني سماع الاغنية وحتما سيطرب لها ، وحين يسألني عن أسم المطرب سأقول له :عبادي العماري .
وحتما سيرد :شكرا عبادي العماري تمنيتك تطلب اللجوء هنا في اسبانيا….!

 

 

*كاتب وأديب عراقي مقيم في ألمانيا

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى