آراء

د. سعاد ناجي العزاوي: كيف فرطت حكومات الاحتلال الأمريكي في العراق بحياة عشرات الآلاف من ضحايا التلوث الإشعاعي لتغطي على جرائمه في العراق

(لأول مرة بعد عقدين، المحاكم الإيطالية تحكم لثلاثمائة جندي بتعويضات مالية كبيرة بسبب إصابتهم بالسرطان لتعرضهم لأسلحة اليورانيوم المنضب)
نشر (فيل ميلر) على صفحة ) declassifieduk.org) الألكترونية بتاريخ الثاني من أيار 2023 مقالة(DEPLETED URANIUM: COURTS ACCEPT CANCER RISK DENIED BY ARMY) , حول قرار المحاكم الإيطالية بتعويض ثلاثمائة جندي إيطالي بملايين الدولارات من الذين تعرضوا للتلوث الإشعاعي لأسلحة اليورانيوم المنضب أثناء مشاركتهم في الحرب في كوسوفو مع قوات حلف الناتو عام 2001 [ 1], علماً أن كمية قذائف اليورانيوم المنضب التي استخدمت في هذا الحرب لم تتجاوز ( 12.5) طن في حين أن كمية أعتدة اليورانيوم المنضب التي استخدمت ضد العراق تجاوزت( 800) طن وتعرض لها في حرب الخليج الأولى عام 1991 مئات الآلاف من سكان محافظات البصرة و الناصرية والمثنى وفي العمليات العسكرية لاحتلال العراق في 2003 أعادت قوات الاحتلال الأمريكي والبريطاني استخدام هذه الأسلحة في نفس المناطق السابقة وضاعفت خطورة إصابة سكانها بالأمراض السرطانية والتشوهات الخلقية والعقم واللوكيميا والفشل الكلوي وكذلك وسعت نطاق استخدامها في مناطق النجف والحلة وبغداد وبعقوبة وسامراء والفلوجة وغيرها من مناطق العراق[ 2 ].
إن إصدار هذا الحكم من المحاكم الإيطالية يؤكد ما نشرناه في بحوثنا لأكثر من عقدين والمبني على ثبوت تأثيرات أسلحة اليورانيوم المنضب الصحية على الإنسان ومساهمته في التسبب بالأمراض السرطانية والتشوهات الخلقية. والحقيقة المؤلمة أننا وبدوافع علمية ووطنية وإنسانية بحتة دافعنا بشراسة عن سكان المناطق الجنوبية للعراق من الذين تعرضوا للتلوث الإشعاعي طوال الثلاث عقود الماضية وتحملنا تبعات تمسكنا والمطالبة بحقوقهم والتعويضات من منع للنشر العلمي إلى التعرض للقتل وخطف أولادنا والاستغناء عن الخدمات ثم تأتي حكومة ما بعد الاحتلال الطائفية والتي تدعي رعايتها ودفاعها عن سكان جنوب العراق لتساهم مع قوات الاحتلال والمنظمات الدولية في إنكار وطمس الحقائق حول تأثيرات هذه الأسلحة على سكان المناطق التي تلوثت باليورانيوم المنضب ومنع إطلاق المعلومات التي تثبت معاناتهم ونشرها لتشترك في الإبادة البطيئة غير المنظورة للسكان في هذه المناطق.
ولتوضيح أوليات هذه المشكلة لابد من الإشارة انه ومنذ حرب الخليج الأولى 1991 قام أكثر من 100 باحث علمي متخصص (وأنا منهم) من الجامعات العراقية ومنظمة الطاقة الذرية بمجموعة بحوث أثبتنا من خلالها بالقياسات الموقعية والفحوصات المختبرية وجود تلوث إشعاعي كبير في مناطق جنوب العراق وأشرنا إلى تأثيراتها الصحية المستقبلية الكارثية على السكان من خلال الدراسات السريرية وغيرها. وأن هذا التلوث الخطير جاء نتيجة قيام جيوش أميركا وبريطانيا باستخدام هذه الأسلحة وتلويث البيئة العراقية بها. وفي تقاريرنا ودراساتنا الفنية التي جاءت بعنوان (الأضرار البيئية الناجمة عن استخدام العدوان الأمريكي الأسلحة الإشعاعية ضد الإنسان والبيئة في العراق عام 1991م”) مع عشرات البحوث الأخرى طالبنا من خلالها بثلاث مطالب أساسية وهي:
ـــ قيام أميركا وبريطانيا بتحمل مسؤولية تنظيف المناطق الملوثة كما فعلوا في الكويت كون العراق كان تحت الحصار الاقتصادي الظالم.
ــــ فتح مستشفيات تخصصية للأمراض السرطانية والتشوهات الخلقية لعشرات الآلاف من المرضى المتوقع إصابتهم في مناطق جنوب العراق لتعرضهم لجرع إشعاعية بلغت 200 مرة أكبر من المستوى الشعاعي الطبيعي على سطح الكرة الأرضية [ 3] .
ـــــــ وكذلك دفع تعويضات لكل من تأثر من هذا التلوث من السكان المدنيين والعسكريين والتي طالبنا بها بلغت اكثر من 100 مليار دولار على ما أذكر. لقد كان العمل والقياسات على هذه البحوث في مناطق غرب البصرة الملوثة محفوف بالمخاطر تحت الحصار الاقتصادي ومناطق حضر الطيران التي كانت كل من القوات الأمريكية والبريطانية والفرنسية تقوم بقصف المنطقة يومياً لمختلف الأسباب الواهية.
وفي وقتها تبنت الحكومة العراقية المقترحات ونتائج البحوث ورفعت مذكرة للأمين العام للأمم المتحدة حول التلوث الإشعاعي عام 1995 وطالبت بالتعويضات والمساهمة بتنظيف المنطقة من مخلفات هذه الأسلحة [ 4] كون العراق تحت الحصار الاقتصادي الشامل.
لقد رفضت معظم المجلات العلمية الأمريكية والأوربية نشر نتائج بحوثنا علماً أن معظم أعضاء الفرق البحثية كانوا خريجين جامعات أمريكية وبريطانية معروفة بحجة الحصار الشامل. وبالرغم من ذلك قمنا بالتعاون مع هيئة حماية البيئة ووزارة الصحة آنذاك بعقد ثلاث مؤتمرات علمية حول الآثار البيئية والصحية لاستخدام اليورانيوم المنضب خلال الأعوام (1994, 1998, 2001) نشرنا خلالها أكثر من 100 بحث علمي رصين حول الموضوع من كل جوانبه. لقد منعت أميركا وبريطانيا حضور أي باحث من بلدانهم لهذه المؤتمرات لكن بعض الناشطين الأجانب حضروا واطلعوا على الأبحاث وتعاونا معهم لعقد مؤتمرات في بلدانهم حول الموضوع ليطلع العالم على حجم الكارثة التي سببها استخدام هذه الأسلحة للعراقيين. وفعلا تم عقد عدد من المؤتمرات من خلال الحملة الإسبانية لإنهاء الحصار عن العراق وغيرها من الدول. لقد شنت الولايات المتحدة الأمريكية حملة تضليل وتشويه ضد نتائج بحوثنا ومنع نشرها لمعرفتهم أنها ستقدم الإثباتات العلمية التي تربط بين الجرع الإشعاعية والسميّة التي تعرض لها السكان المدنيين في العراق والزيادة في الإصابات السرطانية والتشوهات الخلقية التي نجمت عنها لاحقاً. علماً أن معظم هذه البحوث تم نشرها بعد الاحتلال الأمريكي للعراق بعد هروب الباحثين نتيجة تعرضهم للخطف والاغتيال والسجن كما حصل باغتيال الأستاذ الدكتور (عالم عبد الحميد) عميد كلية طب البصرة الذي أثبت أن الزيادة الملحوظة في الأمراض السرطانية في البصرة في منتصف التسعينات كانت نتيجة استخدام هذه الأسلحة. وتم تكريم باحثين آخرين بجوائز علمية عالمية نتيجة جهودهم في كشف وجود وتأثيرات اليورانيوم المنضب على البيئة والسكان في العراق من خلال برامج التحريات الموقعية، حيث تم تكريمي شخصياً بجائزة (Nuclear Free Future Award) ) من مؤسسة ( (Franz Moll)الألمانية كرئيسة فريق إثبات وجود تلوث اليورانيوم المنضب جنوب العراق في ميونخ عام 2003.
كيف فرطت حكومات ما بعد الاحتلال بحقوق بيئة وضحايا التلوث باليورانيوم المنضب في العراق؟؟
وبعد كل هذه الجهود العلمية في ظروف شديدة التعقيد وبعد الزيادات الكبيرة في الأمراض السرطانية والتشوهات الخلقية وامتناع المنظمات الدولية عن مساعدة العراق [5] ومعاودة القوات المسلحة الأمريكية والبريطانية بقصف العراق بحوالي 200 طن أخرى من أعتدة اليورانيوم المنضب ماذا فعلت الحكومات المتتابعة بعد الاحتلال الأمريكي للعراق في هذا المجال؟؟
• أعفت أول وزيرة لحكومة العراق تحت الاحتلال الأمريكي (مشكاة المؤمن) أمريكا من مسؤوليتها عن التلوث الإشعاعي في العراق عام و2005 وادعت أن هذا التلوث حدث بسبب (النظام السابق) كما هي العادة بعد أن قامت بأول زيارة للولايات المتحدة الأمريكية في أكتوبر 2004 وتم تعيين مستشار أمريكي لها (كيث ايستن) لقيادة وزارة البيئة [ 6]. وتم بعدها مكافأتها بمنحها الجنسية الأمريكية مع عدة ملايين من الدولارات لافتتاح شركة عقارية في ولاية كولورادو في أميركا.
• منعت وزارة الصحة العراقية إعطاء أي معلومات عن الأمراض السرطانية والتشوهات الخلقية والوفيات حسب ما نشرته صحيفة USA Today)) الأمريكية بتاريخ 12 كانون ثاني2003 [ 7] تم قطع الطريق على إجراء أي بحوث تربط تلوث جنوب العراق والمناطق الأخرى باليورانيوم المنضب.
• السماح لمقاولي السكراب والخردة بسحب الآليات الملوثة باليورانيوم المنضب من مواقع تجميعها حول البصرة والناصرية إلى داخل المدن بعد حل الجيش العراقي وبذلك ازدادت الجرع الإشعاعية التي تعرض لها المواطنون من هذه الآليات قرب مناطق سكنهم [8] .
• بعد استمرارنا كباحثين بعد احتلال العراق في 2003 بالنشر وفضح تلويث بيئة العراق باليورانيوم المنضب في المؤتمرات العلمية والعمل في منظمات ناشطة أجنبية أوربية وأمريكية ويابانية وإسبانية وألمانية ضد استخدام هذه الأسلحة وكشف تواطؤ منظمات الأمم المتحدة ذات العلاقة ( اليونيت ومنظمة الصحة العالمية في السكوت على هذه الجريمة) ومن خلال البحوث المنشورة باللغة الإنكليزية [ 9] [ 10] [ 11] وكذلك مطالبة وزيرة البيئة الثانية تحت الاحتلال الأمريكي ( نرمين عثمان) بمساعدة العراق التخلص من التلوث الإشعاعي لليورانيوم المنضب ، قامت منظمة حماية البيئة التابعة للأمم المتحدة( UNEP ) بتخصيص مبلع لإجراء فحوصات محدودة جدا بمساعدة متخصصين من دائرة حماية البيئة في العراق في المناطق التي تم تأشيرها ملوثة في بحوثنا وغيرها. لقد أثبتت الفحوصات وجود التلوث الإشعاعي مرة أخرى بعد أكثر من 15 عام من حرب الخليج الأولى عام 1991. تم ارسال النتائج لباحثين أوربيين بإشراف منظمة الطاقة الذرية الدولية لإجراء دراسة تقدير الخطورة على سكان المناطق الملوثة نشروا نتائجها عام 2007. علماً أن الدراسة التي قاموا بها كانت لذر الرماد في العيون فقط لأنها بنيت على افتراضات لا علمية بعيدة عن واقع حال المنطقة وخصائصها المناخية والسطحية لكي تستنتج بالنهاية (إن لا تأثيرات صحية لهذا التلوث على سكان المنطقة) [12]. وهذه جريمة ساهمت الحكومة العراقية آنذاك بصناعتها بالرغم من ازدياد الأمراض السرطانية والتشوهات الخلقية في مناطق البصرة والزبير والناصرية لأكثر من خمس أضعاف نسبتها الاعتيادية [ 13 ] [ 14].
• عدم اهتمام الجهات ذات العلاقة في الحكومة العراقية طوال فترة العقدين الماضيين بنتائج هذا التلوث الكارثية وإخفاء المعلومات [15 ] لرفع المسؤولية عن الجريمة التي ارتكبتها القوات الأمريكية والبريطانية بحق السكان المدنيين والبيئة في العراق والتي تعتبر من جرائم الحروب والجرائم ضد الإنسانية وفق اتفاقيات جنيف الرابعة وملاحقها. علماً أن الدكتور منجد النائب مدير عام دائرة بحوث البيئة والمياه في وزارة العلوم والتكنولوجيا أكد هذه الحقيقة أثناء انعقاد مجلس النواب العراقي عام 2012 لإقرار قانون إدارة النفايات ومنها الخطرة والمشعة حيث ( أكد بأن المسؤولين العراقيين يحاولون مجانبة الحقيقة بخصوص قضية مخلفات الإشعاع النووي التي سببها الأمريكان، وأنه دائماً ما يصرح وكيل وزير البيئة عندما يسأل يكون جوابه بأنه لا توجد مخلفات لإشعاع نووي) [ 16].
• قيام وزارة الصحة العراقية مع منظمة الصحة العالمية (WHO) عام 2013بإجراء مسح سكاني لمناطق مختارة لإثبات عدم وجود زيادة في التشوهات الخلقية في العراق (كما ورد في عشرات البحوث العلمية وسجلات المستشفيات خلال العقدين الماضيين) وتم اختيار مناطق غير ملوثة باليورانيوم المنضب لعينات العوائل التي تم شمولها بالمسح السكاني، لتكون النتيجة النهائية( أن لا وجود لأي زيادة في التشوهات الخلقية وموت الأجنة)[ 17 ] ، علماً أن هذه النتائج جاءت بدون أي مقارنة بسجلات المستشفيات التي تثبت وجود الزيادة في المناطق الملوثة باليورانيوم المنضب في جنوب العراق والفلوجة وغيرها من المناطق.
• إن تقرير خلاصة هذه الدراسة لم تكتفِ بإنكار وجود زيادات في نسب التشوهات الخلقية في العراق، بل ذهبت لأبعد من ذلك حين استنتجت أن نسبة التشوهات الخلقية للأطفال في المناطق الأكثر تعرضاً للملوثات الحربية مثل البصرة والفلوجة هي أقل من المناطق التي لم تتعرض لأي هجوم عسكري. لقد منحت دراسة وزارة الصحة العراقية صك الغفران لقوات الاحتلال الأمريكي عن جرائمه التي ارتكبها بحق السكان في العراق. لقد كان الهدف من الدراسة هو لتأكيد إخلاء مسؤولية أميركا من جريمة تلويث مناطق سكان مدنيين بأسلحة إشعاعية سميّة والتي سببت زيادة الإصابة والوفيات بالأمراض السرطانية والتشوهات الخلقية في هذه المناطق. وهذه جريمة أخرى بحق البيئة والسكان في العراق.
• عجز الحكومة العراقية التي ترعاها أميركا والاتحاد الأوربي وحلف الناتو بعد الاحتلال عن تنظيف مواقع تجمعات ركام الآليات العسكرية التي تم تدميرها باليورانيوم المنضب والمنتشرة خارج المدن والتي تعتبر مصدر لمزيد من الملوثات إذ ونتيجة الحصار الاقتصادي وقصف أي تحرك للجيش العراقي تحت ما يسمى بمناطق حظر الطيران الذي كانت تقوم به أميركا وبريطانيا وفرنسا بعد حرب الخليج الأولى عام 1991 وبدون أي تخويل قانوني من قبل الأمم المتحدة، والتي لم يتم اخلاؤها نهائيا خلال فترة التسعينات. واستمر وجود الكثير منها لغاية اليوم بالرغم من إعلان الحكومة العراقية بأنه تم إزالة الركام الملوث حسب ماتم نشره في صحيفة الأندبندت عربي بتأريخ 21 أيلول 2021 [18]. والواقع أن ماتم إزالته هو 86 طن فقط من الآلاف من الأطنان التي مازالت موجودة ووضعها في 21 حاوية وطمرها على مسافة 86 كم غرب البصرة وهذا ليس تنظيف بالمعنى الاختصاصي للموضوع وإنما إبعاد التعرض لمسافة فقط. هذه الحاويات، وبمرور الزمن ستتعرض لعوامل التجوية والتعرية المناخية وتتآكل أجزاء منها وتتسرب الملوثات للمياه الجوفية والتربة وتنقلها الرياح للمناطق المحيطة أيضاً.
• لقد رفضت أميركا تنظيف مناطق التلوث باليورانيوم المنضب [19] كما فعلت في الكويت بتنظيف وجمع ونقل الركام الملوث والتربة إلى أميركا. ولكن الدول الأوربية حاولت مساعدة العراق (بعد الاحتلال طبعاً) بتخصيص منح بملايين الدولارات لاتخاذ إجراءات جدية للتخلص من تبعات هذه النفايات المشعّة والسميّة سواء الناجمة عن اليورانيوم المنضب أو من تلوث موقع المفاعلات النووية التي دمرتها إسرائيل ثم أميركا في حرب الخليج الأولى في موقع منظمة الطاقة الذرية العراقية في منطقة التويثة جنوب بغداد، لكن هذه المشكلة ما زالت قائمة بسبب الفساد وعدم الكفاءة وعدم الشعور بالمسؤولية الإنسانية والوطنية تجاه سكان المناطق المحيطة الملوثة اشعاعياً.
• ويأتي تسلسل العراق في كفاءة الأداء البيئي طوال العقدين الماضيين نهاية سلم الدول المشمولة بالقياس وهي 180 دولة [20] وخاصة في مواضيع إجراءات الحد من التلوث البيئي وكذلك بالنسبة لمؤشرات الفساد العالمية حيث يأتي تسلسل العراق آخر سلم القياس في تسلسل الدول في استفحال الفساد وغياب النزاهة لمؤسسات الدولة المختلفة.
• لا يختلف موضوع التلوث الإشعاعي في مناطق الزعفرانية وجسر ديالى والوردية وغيرها عن موضوع التلوث باليورانيوم المنضب حيث أثناء العمليات العسكرية لاحتلال العراق قامت عصابات مدربة بسرقة مواد خام اليورانيوم التابع لمنظمة الطاقة الذرية العراقية والمحفوظة بإشراف منظمة الطاقة الذرية الدولية بحاويات كبيرة. كذلك كان في المخازن نفايات مشعّة ببراميل صفراء بلاستيكية. وأثناء الهجوم تحت أنظار الجنود الأميركان الذين يحرسون الموقع قامت مجموعة من سكان المنطقة بدون علمهم بخطر النفايات بتفريغ هذه النفايات المشعّة على الأرض حول موقع التويثة وغسلوا البراميل بمياه نهر دجلة واستخدموها في بيوتهم لحفظ المواد الغذائية والماء!! [21]. عدد هذه البراميل 3000 برميل لم يتم استرداد إلّا 100 منها حسب تقرير منظمة البيئة العالمية لعام 2003 [22].
بعد هذه الكارثة تعرض السكان لزيادة كبيرة في الأمراض السرطانية في المناطق المذكورة سابقاً لكن وزارة الصحة تقوم بحجب ونفي المعلومات الطبية من المستشفيات عن هذه الزيادة لكيلا يتم مطالبتها باتخاذ إجراءات وقائية وطبية لمنع استفحال الموضوع [24].
• طوال فترة ما بعد الاحتلال لم يتم عقد أي مؤتمر علمي في العراق عن الآثار المدمرة لليورانيوم المنضب على بيئة وسكان العراق، وكلما يتم التخطيط لعقده تأتي أوامر بإلغائه من الجهات العليا لكيلا يتم تثبيت حقوق بيئة وسكان العراق ضد أميركا وبريطانيا ومطالبتها بالتعويضات.
وهكذا نستطيع أن نستخلص بأن استمرار محاولات حكومات ما بعد الاحتلال التغطية على تبعات قيام كل من أميركا وبريطانيا باستخدام أسلحة اليورانيوم المنضب الإشعاعية والسميّة ومانتج عنها من زيادة كبيرة في نسبة الإصابة بالأمراض السرطانية والتشوهات الخلقية يعتبر مشاركة بهذه الجريمة وأن هذه التغطية وعدم اتخاذ الإجراءات المناسبة لإنهاء هذا الثلوث ورعاية المتضررين صحياً بسببه جاء على حساب معاناة وحقوق المواطنين في العراق الذين من المفروض أن تطالب حكومتهم بإصرار تنظيف مناطق التلوث الإشعاعي من المتسببين له وتعويضهم عن معاناتهم الصحية وفقدان أحبتهم والتي نتجت ولا تزال بسبب التعرض لهذا النوع والمستوى من التلوث بالمواد الخطرة والمشعّة.

مصادر المعلومات:
[1]. MILLER, P., (2023).’DEPLETED URANIUM: COURTS ACCEPT CANCER RISK DENIED BY ARMY.’ Declassified.uk (blog). 2 MAY, 2023.
https://declassifieduk.org/depleted-uranium-courts-accept-cancer-risk-denied-by-army/. Last accessed, Sept. 1st, 2023.

[2]. Zwijnenburg W, Weir D. Targets of opportunity; analysis of the use of depleted uranium by A-10s in the 2003 Iraq War. A joint investigation by PAX and ICBUW [Internet]; 2016. Available from: http://www.paxforpeace.nl.

[3]. العزاوي، سعاد ناجي، بهاء الدين حسين معروف، مقدام محمود صالح، [وآخرون]. الأضرار الناجمة عن استخدام العدوان الأمريكي الأسلحة الإشعاعية ضد الإنسان والبيئة في العراق عام 1991م. تقرير فني غير منشور. 1997. جامعة بغداد، كلية الهندسة، قسم الهندسة البيئية للدراسات العليا. 157 صفحة.
[4] Iraq Foreign Affairs Ministry, 1995, “Radiation effects”, an official paper submitted by the Iraqi delegation to the briefing meeting on nuclear liability during the 42nd Session of the General Conference, Vienna, 1995.
[5] Sunday Herald, “WHO suppressed scientific study into depleted uranium cancer fears in Iraq”. Feb 22, 2004.

[6]. ENN, 2004. Iraq’s New Environment Minister Struggles Over Dramatic Obstacles. Environmental News Network website. 18 OCTOBER 2004.

[7] USA Today, 2003, Iraq’s Health Ministry ordered to stop counting civilian dead from war, Dec. 12, 2003.
[8]. رعد الرسام،2011. “سنوات من الإشعاعات المسرطنة داخل المدينة والمعالجة ما زالت تراوح بين الوعود والتسويف”. صحيفة المدى الالكترونية. 011/05/10 – 05:12:00.

[9]. Al-Azzawi, S. N. (2017), ‘Depleted Uranium contamination in Iraq: An Overview’, Global Research, . https://www.globalresearch.ca/depleted-uranium-and-radioactive-contamination-in-iraq-an-overview/5605215. Last accessed, Sept. 1st, 2-23.
[10]. العزاوي، سعاد ناجي. 2010. ” مسؤولية الولايات المتحدة عن تلويث العراق باليورانيوم المنضب”. المستقبل العربي. مج. 33، ع. 376 (حزيران 2010)، ص ص. 153-167، 15ص.

[11]. العزاوي، سعاد ناجي, 2020. “تقدير أخطار استخدام أسلحة اليورانيوم المنضب في العراق – الجزء الأول”. المجلة العربية للبحث العلمي. مجلد 1, العدد 1. فبراير 2020. DOI: https://doi.org/doi.org/10.5339/ajsr.2020.3.

[12] Danesi1, P.R., and Telleria2, D.M ,2006. “Radiological Conditions at Four Selected Sites in South Iraq with Residues of Depleted Uranium”. Proceedings of IRPA12: 12. Congress of the International Radiation Protection Association: Strengthening Radiation Protection Worldwide – Highlights, Global Perspective and Future Trends2010.
https://inis.iaea.org/search/search.aspx?orig_q=RN:42072531ز

[13]. Busby C, Hamdan M, Ariabi E. 2010. Cancer, Infant mortality and birth sex ratio in Fallujah, Iraq 2005-2009. Int. J. Environ Res. Public 2828-2837 7, H.

[15] Mustafa Saadon, 2019.” Cancer hits residents of Iraqi oil city of Basra”. Al Monitor, June 14, 2019.

[16]. منجد النائب, 2018. “دراسة ومسودة مقترح قانون ادارة المخلفات.” مجلس النواب العراقي. 13/10/2018.

[17]. العزاوي، سعاد ناجي, 2013. “خلاصة دراسة وزارة الصحة العراقیة حول تشوھات الأطفال الخلقية: مراوغة ومضللة”. منشور باللغة الإنكليزية على موقع Globalresearch.ca

[18]. ماجد البريكان, 2021. “البصرة تتخلص من أخطر تركات حرب الخليج الثاني”. صحيفة الاندبندت عربي. الاثنين 27 سبتمبر 2021 21:32
[19]. Kirby, A., 2003, “US rejects Iraq DU clean-up”, BBC news online, April 14th 2003.

[20]. Corruption index Iraq 2020: 160. Transparency international
https://www.transparency.org/en/cpi/2020/index/irq.

[21]. ليث ناطق, 2020. “تشرنوبل” العراق… مخاطر مميتة تهدد العاملين في الطاقة الذرية”. صحيفة DARAJ الالكترونية. 10.09.2020. العراق. بغداد.

.[22] UNEP (2003) , ‘UNEP progress report: Environment in Iraq’, UNEP, Geneva, 20 October.
[23]. مروان الجبوري, 2018. يطال سكانها بصمت.. ما قصة السرطان بجسر ديالى ببغداد؟ قناة الجزيرة الفضائية.2018/ 9/11.

زر الذهاب إلى الأعلى