تحقيقات ومقابلات

أوروبا تستعد لمواجهة «طويلة الأمد» مع روسيا

يفيد تقرير داخلي وضعه خبراء دائرة الدراسات الاستراتيجية التابعة للمجلس الأوروبي بأن «الحرب الدائرة في أوكرانيا مرشّحة للاستمرار أشهراً عديدة، وربما سنوات، وأن روسيا تخطط لفتح جبهات أخرى متفرقة في عدد من البلدان المجاورة التي تعيش فيها أقليات ناطقة بالروسية أو مجموعات عرقية أو دينية متعاطفة مع موسكو أو على ارتباط تاريخي بها».
ويوصي التقرير، الذي اطّلعت عليه «الشرق الأوسط»، بالاستعداد لمواجهة طويلة الأمد ينتظر أن تلجأ فيها روسيا إلى استخدام جميع الأسلحة الاقتصادية والمخابراتية والسيبرانية التي في متناولها، لكنه يستبعد تنفيذ موسكو تهديداتها باستخدام أسلحة غير تقليدية، مثل الأسلحة التكتيكية النووية أو البيولوجية.
ويحذّر التقرير من أن إطالة الحرب، وما تستتبعه من مواصلة تزويد أوكرانيا بالمساعدات العسكرية والتداعيات التي ستنشأ عن العقوبات الاقتصادية والمالية المفروضة على موسكو والتدابير الانتقامية التي ستتّخذها روسيا، فضلاً عن تفاقم أزمة النزوح والهجرة، ستضع الاتحاد الأوروبي أمام مشهد بالغ التعقيد، اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، خصوصاً إذا نجحت موسكو في ضرب وحدة الموقف بين الدول الأعضاء بواسطة «سلاح الغاز» والقوى السياسية المتعاطفة معها في بلدان الاتحاد.
ويستند واضعو التقرير إلى معلومات مستقاة من «مصادر روسية موثوقة» للإشارة إلى أن موسكو تحضّر لإجراء استفتاء شعبي منتصف الشهر الجاري في مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك حول انضمام هاتين «الجمهوريتين» إلى الاتحاد الروسي، فضلاً عن استفتاء آخر في مقاطعة خيرسون الواقعة جنوب أوكرانيا، التي كانت أولى المناطق التي سيطرت عليها القوات الروسية في بداية الاجتياح. ويشير التقرير إلى أن هذه الخطوات تأتي في سياق المخطط الذي وضعته موسكو لتقسيم أوكرانيا إلى ما تسمّيه «مناطق محررة»، تكون تحت سيطرتها المباشرة أو تنضمّ إلى روسيا.
وتجدر الإشارة إلى أن موسكو كانت تعتزم إجراء الاستفتاء أواخر أبريل (نيسان) الماضي، لكن تعثّر الحرب الروسية دفع إلى تأجيل هذا الاستحقاق، علماً بأن فلاديمير بوتين كان أعلن في بداية الأزمة أنه لا يعترف بحدود عام 2014 لمنطقة «دونباس»، بل بحدودها التاريخية.
ويشير التقرير إلى أنه إذا كان الوضع العسكري في دونيتسك ولوغانسك يميل إلى صالح القوات الروسية، ليس من المؤكد أن الكرملين سيتمكّن من إحكام السيطرة بشكل كامل على هاتين المنطقتين في غضون أسبوعين من الآن لتنظيم الاستفتاء. يضاف إلى ذلك أن سيطرة القوات الروسية على خيرسون تتعرّض لهجوم مضاد مستمر من القوات الأوكرانية لاستعادتها، وليس مستبعداً أن تفلح في هذا المسعى إذا وصلتها المساعدات اللازمة في الوقت المناسب.
ويعتبر الخبراء الأوروبيون أن ثمّة مشكلة أخرى ستواجه روسيا إذا نجحت في ضمّ هذه المناطق المدمّرة بسبب المعارك الضارية التي تدور فيها، حيث إنها ستتحوّل إلى عبء كبير في ظل العقوبات الاقتصادية القاسية التي فرضتها الدول الغربية على موسكو. وينطبق الشيء نفسه على منطقة «ترانسنيستريا» التي تعيش فيها أقلية ناطقة بالروسية، والتي تشهد منذ أيام اضطرابات تنذر بوصول النزاع إليها.
الأهداف الروسية في «خيرسون» ليست واضحة بعد بالنسبة لخبراء الدائرة الأوروبية للدراسات الاستراتيجية، الذين يميلون إلى الاعتقاد بأن موسكو قد تعلن ضمّ المدينة والمناطق المحيطة بها في الجنوب الأوكراني إلى شبه جزيرة القرم، من غير أن تمرّ في مرحلة إعلانها «جمهورية مستقلة». ويذكر أن ميخائيل شيريميت، النائب عن شبه جزيرة القرم في البرلمان الروسي «دوما»، دعا في العاشر من الشهر الماضي إلى إحياء ولاية القرم التي تشمل أيضاً مدينة خيرسون ومحيطها، والتي كانت أعلنتها الإمبراطورة كاترين الثانية في عام 1744.

إلى جانب ذلك، يتوقّف المحللون الأوروبيون عند التصريحات التي أدلى بها مؤخراً عضو مجلس الشيوخ الروسي أندريه كليموف، نائب رئيس لجنة الشؤون الخارجية الذي وضع قانون ضم شبه جزيرة القرم إلى الاتحاد الروسي في عام 2014، الذي قال إن موسكو جاهزة لدمج كل الشعوب التي ترغب في الانضمام إلى الاتحاد، مؤكداً أن «عددها أكثر بكثير مما يتوهّم الغرب أو تروّج له وسائل الإعلام الغربية».
وكان كليموف صرّح بأن «العملية العسكرية الخاصة» التي تقوم بها القوات الروسية «كانت ستصل إلى خواتيمها لو أن الغرب سمح لأوكرانيا بإجراء مفاوضات طبيعية معنا وتوقّف عن تزويد كييف بالأسلحة والمرتزقة والمعلومات المخابراتية وكل أنواع المساعدات التقنية والعسكرية على مدار الساعة»، مؤكداً أنه «من الصعب جداً إطفاء النار بصبّ الزيت عليها».

aawsat

زر الذهاب إلى الأعلى