“عشت اللجوء في سوريا وكسبت معركتي الغربة والاندماج بفرنسا”
لجين طالبة فلسطينية، كانت تعيش بسوريا بصحبة أسرتها قبل أن تلتحق بمعهد العلوم السياسية والاقتصاد في باريس، بفضل حصولها على منحة دراسية. كانت خطوة صعبة بالنسبة لها أمام نوع من الرفض من طرف والديها للفكرة، إلا أنها نجحت في إقناعهما بمشروعها الدراسي. و"كسبت اليوم معركتي الغربة والاندماج" في فرنسا، وتسير بخطى ثابتة نحو تحقيق أحلامها.
تعترف لجين، 26 عاما، وهي لاجئة فلسطينية كانت تعيش بصحبة أسرتها في سوريا، أنها كانت محظوظة عندما حصلت على منحة دراسية لمواصلة تعليمها في فرنسا. وتذكر جيدا شعورها عند توصلها لأول مرة بخبر استفادتها منها. "كانت فرحة لا توصف، رغم معارضة أسرتي لسفري وحيدة إلى أوروبا"، تستحضر لجين اللحظات الأولى من إشعارها بفوزها بالمنحة.
واجهت لجين نوعا من الرفض من قبل الوالدين لسفرها بمفردها لفرنسا. ولا تخفي أن شقيقها وخالها ساعداها في إقناع الوالدين حتى يسمح لها بالسفر خارج سوريا. "اقتنعا أن مستقبلي سيكون في فرنسا، وعلي ألا أضيع هذه الفرصة"، تفسر هذه اللاجئة الفلسطينية في سوريا كيف نالت موافقة والديها على السفر.
كانت لجين تقيم في مخيم اليرموك في دمشق بصحبة أسرتها، قبل أن تغادره في 2011 بسبب الأحداث التي عرفها. كما الكثير من زميلاتها في الدراسة، كانت تحلم بالهجرة إلى أوروبا لمتابعة دراستها. "أكيد أن الكثير منهن يتجاوز مستواهن مستواي، إلا أن المسألة حظوظ وقدر"، تقول لجين مستحضرة ردود فعل صديقاتها وزميلاتها في الدراسة اللواتي تلقين أجوبة سلبية على طلبات المنحة، معتبرة أنها "كانت محظوظة".
الوصول إلى باريس وألم الغربة
وصول لجين إلى باريس في 2014 ولد لديها شعورا مؤلما. "شعرت بأني مزقت داخليا، وأن الغربة أكبر مما جهزت لها"، تذكر لجين اللحظات الأولى لها في العاصمة الفرنسية. لحظات من معركة صعبة ضد الغربة ومن أجل الاندماج. "لم تستطع ذاكرتي تخزين الأماكن التي زرتها. أصبحت ترفض هذا الوضع الجديد"، تضيف لجين مستحضرة ظلال ماضيها السوري الذي ظل يلاحقها في منفاها الاختياري.
ساعدتها الدراسة كثيرا على تجاوز هذا الإحساس وبناء القليل من الفرح بداخلها. "أنا قادرة على الفصل بين المشاعر والواقع"، تلفت لجين إلى قوتها الذاتية في التغلب على مصاعب الغربة. إلا أن مجيء أسرتها إلى باريس بعد سنة ونصف من وصولها إلى العاصمة الفرنسية، أدخل على قلبها سعادة حقيقية.
"الأسرة مهمة في حياتنا، ووجودها غير حياتي نحو الأفضل"، تشير لجين إلى مناقب العيش في كنف العائلة، إلا أنها لا تخفي في الوقت نفسه أن إعادة الاندماج وسطها كان صعبا لحد ما. "لقد ألفت الحياة بمفردي، وتعودت على نوع من الاستقلال الذاتي، وكان على الوالدين وخاصة أمي أن تتفهم ذلك، كأن لا تسألني في كل مرة عند خروجي من المنزل، وأبقى لوحدي في غرفتي عندما أرغب في ذلك".
معركة الاندماج
اللغة كانت أول عائق واجهته لجين عند وصولها إلى باريس في آذار / مارس 2014. لكن كانت كلها عزم على التغلب عليه. "كنت أحاول أن أتحدث بالفرنسية مع أشخاص يتقنون الحديث بها، وكان لإحدى السيدات من أصل عربي الفضل الكبير في تحسين مستواي في اللغة الفرنسية، حيث سجلتني في مركز مادلين بضاحية باريس لأجل ذلك".
من المواقف الطريفة التي تذكرها لجين في بدايات تعلمها للغة الفرنسية "قال لي أحد العاملين في المركز أنت جذابة، وأجبته بلا"، قبل أن تضيف مبتسمة "نعم أو لا هو الجواب الوحيد الذي يعرفه من يكون بصدد تعلم اللغة". وتذكر أنها بعد ستة أشهر على وصولها إلى باريس أصبحت تتحدث اللغة الفرنسية، وعقب مرور تسعة أشهر على الهاتف، "كانت أول مكالمة لي بدون مشكل في اللغة مع مصلحة التأمين الاجتماعي".
وترى لجين أن الخجل يمكن أن يكون عاملا سلبيا في اندماج اللاجئ في المجتمع الفرنسي. "لا نحاول بخجلنا أن نقطع الحديث في كل مرة يحاول فيها فرنسي التحدث لنا"، تنصح لجين اللاجئين الذين لهم رغبة أكيدة في الاندماج، مشيرة إلى أن أقرب صديقة لها اليوم هي فرنسية، تعرفت عليها بالصدفة. وتؤكد أنها "كسبت اليوم معركتي الغربة والاندماج… أعتقد أني اليوم في المكان الذي كنت أريد أن أكون فيه"، تقول باعتزاز.
وتتابع هذه اللاجئة الفلسطينية دراستها في العلوم السياسية والاقتصاد في باريس، تخصص إدارة أعمال دولية عامة، وتطمح للحصول على الدكتوراه في نفس المجال، وتحلم بالعمل في الأمم المتحدة أو في المجال الدبلوماسي الذي له علاقة بالعمل الإنساني. وتفسر اختيارها لهذه المهن "أنا فلسطينية وكنت دائما قريبة من العمل الإنساني، كما أني امرأة تعاني كثيرا في العالم العربي".
infomigrants