أخبار الهجرة

مهاجرون وثّقت مأساتهم صلبانُ نجارٍ إيطالي مصنوعة من خشب القوارب الغارقة

في جزيرة  ايطالية لا تزيد مساحتها عن ثمانية أميال، تقع في منتصف المسافة الفاصلة بين جزيرة صقيلية والشواطئ التونسية، هناك يعيش النجار فرانشيسكو توتشيو الذي ما انفك يتذكر ذاك اليوم الذي غيّرت أحداثُه مجرى حياته، ومنحت فلسفته بشأن الوجود أبعاداً لم يكن يدركها من قبل..

كان يوماً ربيعياً بامتياز، يومٌ من أيامِ شهر نيسان/أبريل عام ألفين وتسعة، حينما قرر توتشيو إغلاق منجرته والانضمام إلى عشرات المتطوعين الذين هبّوا لانتشال  جثث المهاجرين الذين جرفتهم التيارات البحرية إلى شواطئ الجزيرة..

"أتذكر حينها أن مركبين حاولا الدخول إلى الميناء، أحدهما تمكن من ذلك، والآخر كان مصيره قاع البحر"، يقول توتشيو الذي لا زال يتردد في جنبات ذاكرته صوتُ الاستغاثة الذي أطلقته حناجرُ أكثرَ من مئة شخص، معظمهم من الصومال وأريتيريا، ذاك الصوت الذي اختلط بهدير البحر فاستحال زبداً أبيض يداعب شطآن حلم غادرَ أصحابَه مع النفس الأخير الذي انسلّ فقاعاتٍ صغيرةً خارج الجسد..

"أكثر ما أدهشني هو العودةُ إلى الجزيرة، وعدمُ سماع أي تقاريرَ إخبارية حتى مجرد ذكر المأساة"، يضيف توتشيو..

 

على مدار سنوات، كان يُطلقُ على جزيرة لامبيدوزا، التي يبلغ عدد سكّانها 6500 نسمة، لقب "بوابة أوروبا"، فقد شكّلت مركزاً رئيساً لتهريب البشر، و"ميناء" ترسو فيه سفن المهاجرين، لذلك تعدّ الجزيرة شاهداً على مأساة الهجرة والمهلاجرين الذين وفقاً للمنظمة الدولية للهجرة،  قضى أكثر من ألفي شخص منهم أثناء محاولتهم عبور المتوسط، فقط خلال العام الماضي.

تلك الحادثة دفعت توتشيو إلى التفكير في السبل الممكنة للفت الانتباه إلى المأساة الإنسانية التي تتكرر في جزيرته كل حين، وبينما كان يسير على الشاطئ، وإذ بقطعيتن من خشب زورق غارق، يحملهما الموج إلى الشاطئ ويتركهما متصالبتين على الرمال.. حينها ولدت الفكرة..

خشبُ قواربِ المهاجرين المدمّرة التي قذفتها الأمواجُ على الشاطئ استخدمها توتشيو لصناعة الصلبان، كرمز لأزمة المهاجرين المستمرة، هذه الأزمة الإنسانية التي يتم تجاهلها على نحو يثير السخط.

باتت صلبان توتشيو تُعرضُ في أبرشيات ومنازل في جميع أنحاء العالم، كما أن المتحف البريطاني في العاصمة لندن عرض واحداً من تلك الصلبان.. تلك الصلبان التي تذكّر بـ"درب الآلام".. في مقاربة تؤكد على هول الفاجعة التي يحملها غرق المهاجرين.. أب وأم وأبناء وأخوة وأصدقاء يشهد الواحد فيهما وفاة الآخر، بانتطار اللحاق به.. لا أحد يدرك الشعور الذي يتملك الواحد فيهم حينها.. هل الحزن على فراق من سبق أم الخوف من مصير تجلى أو يكاد.

والآن، وبعد ما يقرب من عشر سنوات، لا يزال توشيو يخرج كل صباح لجمع الخشب الذي يطفو على صفيح ماء البحر، ويقوم بعد ذلك بنحت قطع الخشب وتنعيمها وتحويلها إلى صلبان في ورشته، مع حرصه على إبقاء طبقات الطلاء المتضرر على الخشب كتذكير بالمصدر المأساوي للمواد.

 

 

 

 

 

 

 

يورونيوز/ر.خ

زر الذهاب إلى الأعلى