آراء
د. صباح ناهي : عندما صدمت بالعراق
كأني عدت نصف قرن الى الوراء ، الحياة كاسدة ، الناس تسير وفق معادلة "من شاف الموت يرضا بالسخونة ".
جيل مليوني يبحث عن ابطال ، وخزين يحتاج من يشغله ، مقطوع عنا ، تبهره المظاهر المسرحية ، لايمتلك ارادة العمل والتدبير وروح الكفاح من اجل العيش يريد كل شي جاهز بوصفات ، تتمكن اية جهة من تطويعه ، كل حلمه الهرب الى الخارج ، لاتوجد ارادة بناء ولاعزيمة مواطنة ، التقيت مجاميع من الشباب الذين يبحثون عن ابطالهم.
يقرفون من تلك المسميات السائدة ، صورة البلاد مثل امراة جميلة جداً بثياب رثه يكسي جمالها الحزن ، تشعر إنك في مدينة منتهكة الكرامة، موزعة الاحزان وصور الضحايا تملاء الشوارع ، كمن خرج من معركة ولم يلملم جراحه بعد.
لا يوجد اعتبار للمراتب المجتمعية ، من لا يملك "دنكة" يستند اليها يضيع بين الرجلين ، السياسيين مكروهين من المجتمع يحتمون بالسيارات المصفحة والمواكب.
عالم ما زال يئن من اوجاعه.. الناس كلهم ضحايا ، المعادلة مختلة تماماً لم أتوقع أن ارى وطني مطلقاً بهذه الحال الرثة .
انا ابكي طيلة النهار حين ارى كل المعالم والذكريات الجميلة قد تغيرت ، وتدنت للحضيص .
المحلات السكنية في بغداد مليئة بحكايات القتل والابادة ، والشوارع تحمل ذكريات اليمة.
آخر ما أجهز عليّ زرت مدرستي الابتدائية لابدأ حملتي الانتخابية منها وجدتها أنقاض وتحولت الى مزبلة، حين قام مقاول سافل بهدمها وسرقة ابوابها وشبابيكها وطابوقها ، قبل ثماني سنوات، بدعوى اعادة بناءها وهرب.
كانت مدرسة نموذجية فيها 15 صفاً وقاعة اجتماعات كبيرة وقاعة رياضة شتوية وملاعب وحدائق غنّاء ، ومرافق صحية فيها خادم نظافة دائم ومخازن مؤونة وادارة مثالية البناء.
هدمها مقاول تافه لص وسرق اطنان الحديد والخشب ، واخذ طابوقها الذي يروي لي من شهد مراحل هدمها بانه ظهر بحالة ممتازة وبنى فيه بيوت اخرى وهرب باموال المقاولة، وتوزع طلاب المدرسة الى مدارس اخرى يعانون الترحال اليها كل يوم دون جدوى !؟
هذه اول (صدمة انتخابية) في حملتي الموعودة.
عاهدت الناس اول مشروع لي تامين اعادتها ، ان قدرت وساعمل على تصوير نفسي بين ركامها ( في بيس تو كاميرا )عليّ انجح في تنفيذ وعدي هذا من أجل طلابها الضحايا ، ومن أجل نفسي ايضا ، وما التوفيق إلا من عند الله.
أكاديمي وكاتب عرقي مقيم في دبي