ريبورتاج: بلجيكيون يفتحون أبواب منازلهم للمهاجرين في عز الشتاء
استطاعت منظمة "أرضية المواطنة" أن توفر للمهاجرين في بروكسل سريرا للنوم في كل ليلة، من خلال مبادرة يشارك فيها الآلاف من البلجيكيين، الذين انخرطوا فيها رفضا لبعض القرارات المثيرة للحكومة البلجيكية تجاه المهاجرين، وللظروف الصعبة التي تعيشها هذه الشريحة في فصل الشتاء خاصة.
الساعة تشير إلى الثامنة مساء، ثلاثة من أفراد جمعية "كويسطو" يعدون مائدة طويلة من الطعام في حديقة ماكسيميليان، التي تفصلها عن محطة القطار "غار دي نور" في بروكسل مسافة 650 مترا، حيث وضعوا عليها طنجرة كبيرة للحساء مع الخبز إضافة لبعض الحلويات. ولم تمر إلا دقائق معدودة حتى بدأ المهاجرون يتقاطرون على المكان الواحد تلو الآخر. ليصل عدد الحاضرين إلى حوالي 200 شخص.
"نحن جمعية نقوم بتوفير وجبة العشاء للمهاجرين، وهي عبارة عن حساء وأكل حضر من الخضر إضافة إلى الخبز"، يقول جورج أحد متطوعي جمعية "كويسطو"، الذي كان يضع مع متطوع آخر طنجرة الحساء على المائدة، لمهاجر نيوز.
مهاجرون يتجمعون في حديقة ماكسيميليان بحثا عن الطعام أو
سرير للنوم
مهاجرون بحاجة للطعام وسرير للنوم
"آتي إلى هنا يوميا للاستفادة من الوجبات المقدمة"، يؤكد مهاجر إثيوبي فضل عدم ذكر اسمه. وكما باقي المهاجرين، لهذا الشخص أيضا حكايته مع رحلة الهجرة، يلخصها في أنه جاء إلى بروكسل عقب أن سدت بوجهه كل الأبواب في ألمانيا إثر رفض طلب لجوئه. "أريد المرور إلى بريطانيا للعمل بالأسود هناك"، يتابع هذا الإثيوبي، إذ يعتقد أنه من السهل العثور على عمل هناك.
ولا يأتي المهاجرون إلى الحديقة لأجل البحث عن الغذاء فقط، فالعديد منهم يأتون بحثا عن مكان دافئ للنوم. واستطاعت منظمة "أرضية المواطنة" المحلية أن تنجح في حث المواطنين البلجيكيين على المشاركة في مبادرة إيواء المهاجرين ولو لليلة واحدة. "الاستضافة لليلة واحدة، ويمكن أن تتواصل لعدة أيام إن حصل توافق بين المهاجر والعائلة المستضيفة"، يشير المهدي كاسو المتحدث باسم "أرضية المواطنة" صاحبة المبادرة.
توزيع الطعام على المهاجرين في حديقة ماكسيميليان
بلجيكيون يفتحون أبواب بيوتهم بوجه المهاجرين
ماري إيف وكريم زوجان حضرا إلى حديقة ماكسيميليان بهدف استضافة أحد المهاجرين في منزلهم، مساهمة منهم في المبادرة. "من العار أن ينام هؤلاء في الشارع"، تندد ماري إيف، مضيفة أن الشيء الوحيد الذي دفعها للمجيء إلى الحديقة هو "البرد الشديد". كما أن زوجها اعتبر أن مساهمتهما في المبادرة هي بمثابة "منح هؤلاء المهاجرين القليل من الكرامة". وأكد الزوجان أنهما مستعدان لاستضافة مهاجرين اثنين.
ومشاركة العديد من البلجيكيين في مبادرة "أرضية المواطنة" لإيواء المهاجرين، لم تمله اعتبارات سياسية أو فكرية، حسب تفسير البعض منهم . "تجد هنا ناسا من اليمين وآخرين محسوبين على اليسار"، يلفت إيرفي، الذي يقدم نفسه أنه يميني منحدر من طبقة بورجوازية. "هي قيم إنسانية يتوحد حولها الكل" يضيف المتحدث.
كل مساء يتم إيواء المئات من المهاجرين لدى عائلات بلجيكية والبقية منهم ينقلون إلى مأوى المنظمة الموجود في ضاحية بروكسل. وهذا الإقبال على المبادرة، يفسره المتحدث باسم "أرضية المواطنة" مهدي كاسو، برفض المواطنين البلجيكيين لإجراء حكومي سابق، تمثل في إجلاء السلطات لمهاجرين كانوا يقيمون في حديقة ماكسيميليان، وتعاون بروكسل مع الخرطوم في ترحيل السودانيين.
في منزل نيكو
السيدة نيكو من هؤلاء المواطنين البلجيكيين، الذين ينتقدون بشدة قرارات الحكومة البلجيكية تجاه المهاجرين. وقصتها مع إيواء المهاجرين بدأت عندما انفجر الجدل حول المهاجرين في بروكسل. "لم يكن ممكنا أن أبقى مكتوفة الأيدي عندما رأيت جرافات السلطة تهدم خيم مهاجرين في حديقة مكسيميليان"، تتذكر هذه السيدة مشاهدتها للعملية على شاشة التلفزيون.
غرفة خصصتها السيدة نيكو لاستقبال المهاجرين
عندما وصل إلى منزلها حسن وحسام، 21 عاما و25 عاما، وهما مهاجران سودانيان على متن سيارة ميشيل الذي يساهم بدوره في عملية الإيواء كسائق، استقبلتهما بابتسامة عريضة. "أنا سعيدة باستقبالهما في منزلي"، تقول هذه السيدة في السبعينات من العمر لمهاجر نيوز.
"هنا المرحاض، أما الحمام، فيوجد في الطابق الأول"، تستعرض نيكو الخدمات التي تقدمها للمهاجرين الاثنين في منزلها، بعد أن طلبت منهما إن كانا يرغبان الشرب أو الأكل، فأجاب حسن بنوع من الخجل: "نريد قهوة"، قبل أن تشدد على غلق باب الغرفة في كل مرة يفتح فيها. "الطاقة غالية، وأدفع مقابل ذلك ثمنا باهظا، وأطلب منهما أن ينتبها لذلك، خاصة عند فتح الأبواب"، تشرح نيكو لمهاجر نيوز سبب إصرارها على الحفاظ على الطاقة.
سرير لكل مهاجر
وانطلقت منظمة "الأرضية المواطنة" منذ بداية فصل الشتاء بفكرة توفير سرير للنوم عند حلول الليل لكل مهاجر في بروكسل. وكل مهاجر لم يحصل على فرصة للنوم لدى أحد المواطنين البلجيكيين، يكون مدعوا من قبل المنظمة للمبيت في مركزها في ضاحية بروكسل، حيث يتم نقله إلى هناك من قبل متطوعين.
ويستضيف المركز حتى 200 مهاجر يوميا. "نوفر لهم الدفء اللازم للنوم، ويمكن أن يبقوا في البناية المكونة من ستة طوابق حتى ظهر اليوم الموالي. يمكن لهم أن يستحموا، كما يوفر لهم المركز وجبة الفطور"، يؤكد منسق المركز أندريا، وهو بناية شاغرة منذ 2005 تعود في الأصل إلى البلدية. وستكون المنظمة مطالبة بمغادرتها في نهاية أبريل/ نيسان المقبل.
مركز الإيواء التابع لأرضية المواطنة
واستضافة هؤلاء المهاجرين في المركز تمر في ظروف عادية، كما يؤكد أندريا، بل وفي أجواء من المرح في غالب الأحيان، عكستها رقصات مجموعة من الشباب المغاربي على أنغام "الراي"، فيما كان مهاجرون آخرون يلعبون لعبة "الدومينو" على هاتف نقال.
infomigrants