ألمانيا.. اللاجئون يتحملون مسؤولية عقود الإيجار غير الصحيحة
بعض اللاجئين في ألمانيا يقيمون في شقق أو غرف صغيرة بعقود غير صحيحة يقدمونها لمكتب العمل (جوب سنتر) الذي يتولى دفع الإيجار. ورغم أن بعضهم يقول إن المؤجّرين هم الذين يستغلونهم، يؤكد المسؤولون أن اللاجئ أيضا يتحمل جزءاً من المسؤولية.
منذ سنة ونصف واللاجئ السوري أبو محمد يعيش مع زوجته وولديه في شقة مكوّنة من غرفة واحدة، في مدينة كولونيا، التي تعتبر واحدة من أكثر المدن الألمانية التي تظهر فيها أزمة السكن بشكل واضح. وهذه الأزمة هي التي جعلت أبو محمد يضطر للسكن مع عائلته في هذه الغرفة الصغيرة وبإرادته، كما يقول، لكن بعرض إيجار وعقد غير صحيح قدمه لمكتب العمل (جوب سنتر) الذي تكفل بدفع الإيجار.
ففي عرض الإيجار الذي قدمه أبو محمد، والذي قام المؤجر بملئه، مكتوب أن مساحة الشقة التي يسكنها اللاجئ السوري مع عائلته تبلغ 85 مترا مربعا، بسعر 900 يورو، لكن الحقيقة أن مساحتها لا تتجاوز الـ 30 متراً.
ويشترط مكتب العمل في كل مدينة ألمانية على الأشخاص الذين يتلقون المساعدات، ومنهم اللاجئون، أن يقدموا عروضاً للإيجار ضمن شروط معينة، تتضمن المساحة المسموحة والحد الأقصى للإيجار. ففي حالة أبو محمد (عائلة مكوّنة من أربعة أشخاص)، يحق له استئجار شقة بمساحة 95 مترا مربعا، بإيجار لا يتجاوز الـ 1119 يورو.
للخروج من المخيمات
يقول أبو محمد لمهاجر نيوز إن ما يدفع اللاجئين مثله لتقديم تلك العقود غير الصحيحة هو الخروج من المخيمات ومراكز الإيواء التي يقيمون فيها، ويضيف: "اشترط مكتب العمل أن تكون الشقة مناسبة لأربعة أشخاص، فوجدت نفسي مضطراً للقبول بعرض الإيجار الذي أعطاني إياه المؤجر، والذي قدم الغرفة على أنها شقة كبيرة، فقط للخروج من المخيم"، مضيفاً أنه تعرف على المؤجر من خلال سمسار سوري.
ولعل مشكلة السكن والتي جعلت أبو محمد يضطر للعيش في هذه المساحة الصغيرة، هي نفسها التي جعلت حوالي 3 آلاف لاجئ ينتقلون للعيش في أماكن أخرى خلال سنة واحدة، فوفقاً لموقع بلدية كولونيا بلغ عدد اللاجئين في المدينة بداية هذ العام 10 آلاف لاجئ، ربعهم من السوريين، بانخفاض بلغ 3 آلاف عن الفترة نفسها من العام الماضي.
لعل مشكلة السكن هي ما دفعت 3 آلاف لاجئ للانتقال من مدينة كولونيا خلال سنة واحدة
يقول أبو محمد إن الغرفة التي يسكن فيها أشبه بالقفص، ويتابع: "لا يستطيع أطفالي أن يتحركوا في البيت، كما أننا لا نستطيع أن نستقبل أي ضيف"، ويتابع: "لست سعيداً هنا، ولذلك أبحث عن بيت آخر".
وفي نفس الحي الذي يقيم فيه أبو محمد، يقيم لاجئ شاب يعاني من نفس المشكلة، إذ أن غرفته التي تبلغ مساحتها ستة أمتار مسجّلة في مكتب العمل على أنها شقة تبلغ مساحتها 35 مترا مربعا.
ا
رضا الطرفين هو المهم
يقول اللاجئ السوري، علي، لمهاجر نيوز إنه ذهب في البداية لمكتب العمل وأخبر الموظف المسؤول أنه يريد استئجار غرفة بمساحة ستة أمتار مربعة، فقط ليخرج من المخيم، ويتابع: "لم يوافق الموظف أن استأجر الغرفة، ونصحني أن أبحث عن غرفة أو شقة أكبر".
وبعد أن أخبر علي المؤجر بذلك، حسبما يقول، قام الأخير بتجهيز عرض إيجار لنفس الغرفة، لكنه كتبها على أنها شقة بمساحة 35 مترا مربعا. "فوافق مكتب العمل على عرض الإيجار دون التحقق من صحة معلومات العقد، وهو يدفع الآن الإيجار الذي يبلغ حوالي 450 يورو" يقول علي لمهاجر نيوز.
وعند سؤالنا إحدى موظفات مكتب العمل (جوب سنتر) في المنطقة التي يقيم فيها علي عن سبب عدم التحقق من صحة معلومات العقود وعروض الإيجار، أجابت: "ما يهمنا هو أن طرفي العقد راضيان، وورقة العقد هي الأساس القانوني الذي نتعامل معه".
مسؤولية مشتركة
وتؤكد مسؤولة قسم السكن في مكتب الإعلام والعلاقات العامة في بلدية كولونيا زابينه فوتسلاو لمهاجر نيوز، أن اللاجئ يتحمل مسؤولية صحة المعلومات التي يقدمها لمكتب العمل، ومنها معلومات السكن الذي سينتقل إليه، وتضيف: "بحسب القانون الألماني فإن مبدأ حرية التعاقد تنطبق على عقود الإيجار أيضاً، وهذا يعني أن كلا الطرفين مسؤولان من حيث المبدأ عن المعلومات التي قدماها في عقد الإيجار".
المؤجر والمستأجر يتحملان مسؤولية المعلومات التي قدماها في عقد الإيجار
وتضيف فوتسلاو أن الحاصل على المساعدات من مكتب العمل ملزم بأن يتفق مع المؤجر مباشرة حول عقد الإيجار، ويتأكد من التناقضات المحتملة بين مواصفات الشقة في عقد الإيجار ومواصفاتها الحقيقية.
لكن مسؤولة قسم السكن في مكتب الإعلام والعلاقات العامة في بلدية كولونيا تؤكد في الوقت نفسه أنه إذا كانت هناك دلائل تشير إلى أن المستأجرين أو المؤجرين قاموا بتقديم معلومات خاطئة، فإن "الجوب سنتر" سوف يحقق في الموضوع، مضيفة أنه في حال وجود شكوك حول الاحتيال، يتم تحويل الملف إلى مكتب المدعي العام.
وبالرغم من الجهود التي تبذلها بلدية كولونيا في مسألة إسكان اللاجئين في شقق، حسبما تقول البلدية، إلا أن مئات اللاجئين مازالوا يعيشون في مراكز الإيواء المؤقتة من فنادق ونزل وصالات رياضية، وبحسب موقع البلدية فقد تم إسكان 3400 لاجئ في شقق سكنية في المدينة.
يقول أبو محمد: "المشكلة الأساسية ليست في عدم توفر المساكن الكافية، بل تكمن في عدم موافقة الكثيرين على تأجير بيوتهم للاجئين"، ويضيف: "مع استمرار عدم تأجير اللاجئين، سيضطر المئات منهم لاتباع هذه الطريقة فقط للخروج من المخيمات، وسيستمر مكتب العمل بالتغاضي عن حالات الاستغلال".