آراء

د. فاطمة أحمد المزروعي: “سلام فرمانده”.. وتلميع الثورة الإيرانية

خلال الأشهر القليلة الماضية اكتسحت الأغنية الإيرانية “سلام فرمانده”، أيّ “تحية إلى القائد” منصات التواصل الاجتماعي، في وسائل الإعلام الإيراني والموالي له، ومن خلال تجمعات جماهيرية حاشدة، منها ما أقيم في الاستاد الرياضي، مغفلة حتى الزلزال الذي وقع في مدينة آبادان، الذي راح ضحيته العشرات، مما جعل أحد المحتجين يصرخ قائلًا “تحية أيها القائد، مدينتنا تحت الأنقاض”. فما سر هذه الأغنية؟ وهل تحمل مفاهيم إنسانية ثقافية فحسب كما تروج لها إحدى القنوات العربية ذات التوجه السياسي الإيراني؟

“سلام فرمانده”، هي أغنية موجهة للأطفال في ظاهرها، لكنها تستهدف الكبار أيضا، فهي صارت ظاهرة “ترند”، حيث أُعِدّ منها فيديوهات قصيرة، وذهب منتجها ومخرجها إلى أبعد من ذلك، حين أصدرا نسخاً للأغنية بالعربية وباللهجات العراقية والبحرينية واللغة التركية، فسرت الأغنية سريان النار في الهشيم، في سعيها لنشر مبادئ الثورة الإيرانية، مستهدفة من يتبنى المذهب الشيعي في العالم كله؛ لتُحمّله دلالات أيديولوجية، ولتوجه ولاء المؤمنين به لإيران وثورتها، بدلًا من ولائهم لبلدانهم وقادتهم.

عوامل انتشار هذه الأغنية هم الأطفال، الذين استغل أصحابها براءتهم، من خلال تحفيظهم هذه الأغنية وتصويرها، فأثّروا في المستمعين الصغار، من خلال كلمات تمس الجانب العاطفي الديني، بالحديث عن المهدي المنتظر، وتوجيه التحية لقادة إيران الذين قد لا تذكر الأغنية أسماءهم، لكن الأطفال في الفيديو يحملون صورهم. إضافة إلى اللحن المطرب الحماسي، الذي يهز النفس ويجعل الجسد يتمايل، والأيدي تصفق واللسان يردد، كلمات مؤدلجة لا يعي الأطفال أبعادها، لكنها تترسخ في الوجدان بتكرارها، وتذكر الكبار بمبادئ الثورة الإيرانية.

الأغنية تأتي على لسان طفل صغير يوّجه تحية للقائد الإيراني مؤكداً أن الجيل الجديد صامد، ومنتظر للمهدي المنتظر، الذي سيكون من جنده، رغم صغر سنّه. أغنية تشحن النفوس البريئة، بما يجعلها تتبنى ما لا تعلمه كولاء وشعور، قد لا يفكر فيه مستقبلًا ولا يحاكمه.

إنها القوة الناعمة في أغنية، تهدف لربط الجيل الجديد وتذكر الأجيال السابقة بفترة الثمانينيات من القرن الماضي، من أجل تلميع وجه الثورة الإيرانية، ولإعادة الاصطفاف حولها من جديد، ومسح كل دماء الاغتيالات التي ارتكبتها بحق المعارضين لها على مرّ العقود الماضية، وإعادة تصديرها للدول العربية وباكستان وأفغانستان.

وبسبب هذا النجاح والتأثير، وصف قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء حسين سلامي الأغنية بأنها “نشيد من السماء”، مشدداً على ضرورة مواصلة إنتاج مثل هذه المقاطع مستقبلًا”.

إنها محاولة يائسة للدعاية والترويج لنظام يترنح تحت أزمات لا تنتهي، ويرزح شعبه تحت ظروف اقتصادية صعبة للغاية، جعلته ينتفض على قيادة تنفق ثرواته في مغامراتها الخارجية ومصالحها الشخصية، فقررت تلك القيادة أن تضع على لسان الأطفال “تحية” يعرف القائد أن الكبار والعارفين بحقائق الأمور يرددون عكسها في قلوبهم وفي عقولهم.

نقلا عن : موقع 24

زر الذهاب إلى الأعلى