هنا اوروبا

المتطرفون «يسيطرون» على أحياء من مدينة ألمانية والصحافة تصفها بـ«ليلة العار»

رغم إدانة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عمليات «المطاردة الجماعية» من قبل مجموعات من مثيري الشغب المنتمين لليمين المتطرف بحق لاجئين في مدينة كيمنتس شرقي ألمانيا، فقد تكررت المشاهد نفسها بعد ساعات قليلة من كلامها. واجتذبت مسيرة الاثنين ما يصل إلى ألفي متظاهر من اليمين المتطرف ونحو ألفي متظاهر من الجانب الآخر. وسعت الشرطة إلى الفصل بين المجموعتين عبر وضع مدفع مياه بينهما دون استخدامه. وشوهد ملثمون في المسيرتين. وهتف مناصرو اليمين المتطرف «ألمانيا للألمان، الأجانب خارجاً» في تجمع ما لبث أن تحول ليلاً إلى أعمال شغب واعتداء على الشرطة والصحافيين والمتظاهرين المناهضين لهم الذين تجمعوا في الجهة المقابلة، وأدت في نهاية اليوم إلى إصابة ستة أشخاص.

وشوهد عدد من المشاركين وهم يرفعون تحية هتلر المحظورة في ألمانيا، من دون تدخل من الشرطة رغم وجود عناصرها أمامهم. وقال المتحدث باسم الشرطة في المدينة أندرزي ريدجيك، إن سبب عدم تدخل الشرطة كان انطلاقاً من مبدأ عدم التصعيد. وأعلنت الشرطة الألمانية أمس (الثلاثاء)، أنها بدأت تحقيقات جنائية ضد عشرة أفراد لأدائهم تحية هتلر خلال المظاهرة للتيار اليميني المتطرف.

أدان المستشار النمساوي سباستيان كورتز أحداث العنف في المدينة، وكتب على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» أمس «أنا أشعر بالفزع من أحداث العنف لنازيين جدد في كيمنتس… أحداث مثل هذه يتعين إدانتها بأقصى درجة!».

وبدأت أعمال الشغب في هذه المدينة ليل الأحد بعد أن طعن لاجئان رجلاً ألمانياً من أصول كوبية في الـ35 من العمر وقتلاه. وألقي القبض على الشابين، أحدهما من العراق يبلغ من العمر 22 عاماً، والآخر من سوريا يبلغ 23 عاماً، ووجّه الادعاء الألماني تهم القتل إليهما. وبدأت في الليلة نفسها مجموعات من اليمين المتطرف بالتجمع بعد تسرب أنباء عن أن شابين من اللاجئين طعنا ألمانياً. وقال محققون في كيمنتس، إن منفذي عملية الطعن لم يتصرفا بداعي الدفاع عن النفس.

وتداولت صفحات اليمين المتطرف على مواقع التواصل الاجتماعي، بأن الشابين كان يتحرشان بامرأة؛ ما دفع بالمطعون وآخرين للدفاع عنها. ورغم أن الشرطة نفت القصة المتداولة ودعت إلى الإحجام عن نشر الشائعات، فإن الرواية ما زالت منتشرة بقوة بين المتطرفين اليمنيين على صفحاتهم في «فيسبوك» و«تويتر». وقالت الشرطة، إن الشاب قتل بعد أن تعرض لطعنات بالسكين إثر إشكال بين شابان «من جنسيات مختلفة»، من دون أن تكشف عن سبب الإشكال. وأصيب أيضاً في الحادث شخصان آخران بإصابات خطرة.

وتعرضت الشرطة لانتقادات لردها البطيء منذ ليل الأحد، ولسماحها للمتطرفين بـ«السيطرة» على أحياء من المدينة، وملاحقة «من يبدو مختلفاً» وتعريضهم للضرب، بحسب وصف صحف ألمانية. وعنونت مجلة «شبيغل» خبرها حول أعمال الشغب «كيف تركت الشرطة المدينة لليمين؟»، في حين عنونت صحيفة «زيت» خبرها «الليلة التي استسلم فيها حكم القانون». وكتبت صحيفة «بيلد» الشعبية والأكثر انتشاراً خبراً بعنوان «كيف يمكن لهذا الأمر أن يحدث بعد؟» وأرفقته بصورة من كيمنتس لرجل حليق الشعر يرتدي الأسود ويرفع تحية هتلر. ووصفت «بيلد» ليلة أمس التي شهدتها المدينة بـ«ليلة العار».

واعترفت الشرطة في كيمنتس بأنها لم تكن مستعدة في الليلة الأولى التي وقعت فيها أعمال الشغب، وهو ما أخر قدرتها على فرض الأمن. واضطرت إلى استقدام تعزيزات من مدن مجاورة في دريسن ولايبزش. ورغم تأكيداتها بأنها ستكون مستعدة بشكل الأفضل في الليلة التي تلت، فإن تكرار مشاهد المتطرفين يجوبون الشوارع بحثاً عن لاجئين وانتشارهم في الأحياء… أظهرت أن أعداد الشرطة المنتشرة لم تكن كافية كذلك في الليلة الثانية.

وفي ظل كل هذه التوترات بقي وزير الداخلية هورست زيهوفر صامتاً. ووصف الخبير الأمني في حزب الخضر كونستانتين فون نوتس صمت زيهوفر بـ«الفضيحة». وكتبت «شبيغل» أن امتناع وزير الداخلية عن التعليق «قد يكون سببه أن البعض في دائرته الانتخابية في بافاريا يشعرون سراً بالفرح بسماع تعبير (الأجانب خارجاً) يصدح في أحياء كيمنتس». ودعت الصحيفة الوزير لاتخاذ موقف واضح مما يحصل في ولاية ساكسوني.

ووجهت صحيفة «هاندلسبلات» انتقادات لاذعة لزيهوفر، وكتبت أن «فشل الدولة في كيمنتس يمتد إلى وزير الداخلية». وأضافت «لا أحد يجب أن يتعجب من مظاهر العدالة الذاتية في كيمنتس. فحتى وزير (الداخلية) يتحدث عن غياب العدالة في ألمانيا». واعتبرت الصحيفة، أن الشرطة «فقدت السيطرة» على الوضع في المدينة. ووصفت ما حدث في الليلة الأولى التي تلت طعن لاجئين لشاب ألماني بالقول «كانت عصابة تجوب كيمنتس..الشرطة فقدت السيطرة. وهكذا كل ما بدا أجنبياً أو من اليسار تعرض لهجوم. أصيب الكثير من الأشخاص. والمعتدون صرخوا (نحن الشعب)».

ورأت الصحيفة، أن «الكره الذي يبديه اليمين المتطرف انتقل إلى الطبقة البرجوازية الوسطى، الكثير منهم انضموا إلى الغوغاء العنيفين». وأضافت الصحيفة تقول «سبب أعمال العنف في كيمنتس كان عملية قتل مريعة. طعن شاب وأصيب آخران. المشتبه بهما سوري وعراقي. هذه مسؤولية القضاء وليس أي أحد آخر. إذا أراد اليمن المتطرف أن يستغل مقتل شخص للدعوة إلى العنف، فإن على الدولة أن تقف ضده، وبكل قوتها».

ودفعت الصور القادمة من كيمنتس بالحزب الاشتراكي الديمقراطي إلى التحذير من «مشاهد حرب أهلية مفتعلة» بحسب تعبير الخبير بالشؤون الداخلية في الحزب بوركهارد ليشكا في تصريحات لصحيفة «راينشه بوست». ورأى أن اليمين المتطرف يحاول أن «يصطنع حرباً أهلية» لنشر الخوف بين المواطنين.

وقال محللون، إن اليمين المتطرف تمكن من حشد مناصريه بسرعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وولاية ساكسوني من الولايات التي كانت جزءاً من ألمانيا الشرقية تحت حكم الشيوعية. وكانت الولاية الأولى التي شهدت مظاهرات ضد الأجانب بعد الوحدة الألمانية قبل أكثر من 25 عاماً. وقد شهدت في السنوات الأخيرة صعوداً لجماعات مختلفة من اليمين المتطرف من دون أي تحرك يذكر ضدهم من قبل الشرطة. وعن هذا الأمر كتبت صحيفة «سودويتشه زيتونغ» تحت عنوان «عار ساكسونيا»، «لسنوات طويلة قللت الحكومة من شأن (صعود) اليمين المتطرف في الولاية. و(ما يحدث الآن) نتيجة فشل وكالات الأمن».

ورغم هذه المظاهرات ضد اللاجئين في المدينة، فإن عدد الأجانب فيها لا يزيد على 8 في المائة، بينهم أقل من 3 في المائة من اللاجئين، بحسب أرقام من بلدية المدينة. ويحظى حزب البديل لألمانيا اليميني المتطرف بشعبية كبيرة هناك. وبحسب استطلاعات الرأي الأخيرة، فإن «البديل لألمانيا» يحل ثانياً بعد حزب المسيحي الديمقراطي الذي ترأسه ميركل.

 
 
 
 
 
 
 
 
ا ش ا
زر الذهاب إلى الأعلى