جاسم محمد : “شعوب تنظيم داعش”، مصدر قلق الى أجهزة الإستخبارات الألمانية
تشهد قضية عودة المقاتلين الأجانب الى المانيا، اهتماما واسعا عند الطبقة السياسية والشارع الالماني وتتكشف يوميا تفاصيل "الجهاديين" العائدين وانعكاساتها على الواقع الامني والسياسي في المانيا.
كشف تقرير جديد للإستخبارات الداخلية الألمانية صدر يوم 17 ديسمبر 2017، بعودة حوالي( 50 ) "جهاديا" من القتال في صفوف داعش في سوريا والعراق، الكشف عن التقرير جاء نتيجة ضغوطات حزب اليسار المعارض داخل "البوندستاغ Bundestag " الألماني.
أجهزة الإستخبارات الألمانية سجلت مغادرة مايقارب 960 شخصا منذ عام 2011 للالتحاق بصفوف داعش في العراق وسوريا، بينهم 15% من النساء الألمانيات أي مايقارب( 200) أمرأة. المعلومات المتوفرة تقول بانه تم اعتقال( 90 )عنصرا من العائدين من القتال من بين 30% من العائدين.
وهذا يعني ان المانيا، تراجعت عن خطتها بأخضاع جميع العائدين الى الاحكام القضائية وزجهم بالسجن، هذا يعني بأنه مازال في المانيا مايقارب( 200 )عنصر داعشي عاد من القتال يتحرك في المانيا.
التقارير الإستخباراتية كشفت عن تصاعد اعداد السلفية"الجهادية" الى مايقارب( 10.000 )عنصر يتحرك في المانيا رغم ما اتخذته المانيا من اجراءات بغلق اعداد من المساجد منها "مسجد فصلت" التي كان بتردد عليه (انيس العامري)، الذي نفذ عملية شاحنة برلين الإرهابية مثل هذا اليوم 19 ديسمبر 2017 من العام الماضي. وذكرت الحكومة الالمانية في تقاريرها ان الإستخبارات الالمانية مازالت تراقب اكثر من( 90 ) مسجدا.
لايوجد شك بان السلطات الألمانية اخضعتهم الى التحقيق ورصدهم وربما وضعهم تحت المراقبة، مع احتمال قائم بأن بعذ العائدين واللذين لم يتم وضعهم في السجون وملاحقتهم قضائيا، كانوا متعاونين مع الإستخبارات بتقديم المعلومات حول التنظيم من الداخل، او من اعترف بارتكاب خطأ بالالتحاق بتنظيم داعش وتراجع عن الايدلوجية المتطرفة، وربما هذا وراء اختفاء ال( 200 ) شخص داخل المانيا.
وسائل الاعلام كشفت عن وجود مايقارب( 1400 ) شخص من عناصر داعش بينهم نساء واطفال محتجزين في مركز قرب مدينة الموصل تسيطر عليه الحكومة العراقية. اقليم كوردستان هو الاخر اعلن عن وجود مايقارب( 60 )امراة من مختلف الجنسيات الى جانب اعداد من الاطفال يصل عددهم الى( 200) طفل تحت سيطرة اقليم كوردستان.
وتصنف الإستخبارات الداخلية اللألمانية (BVF ) مايقارب 720 عنصرا خطر داخل الاراضي الألمانية يمثلون خطرا على امن المانيا تحديد، رغم ان تقارير سابقة كشفت عن وجود مايقارب( 3000 )شخص يمثلون خطرا على المانيا، لكنها حصرت عدد العناصر الخطرة، وضيقت حلقة الرصد والمتابعة لتصل الى مايقارب( 1000 )شخص مطلع عام 2017.
وصنفت السلطات الألمانية عشرات النساء والمراهقين العائدين، بانهم عناصر خطرة، فالحكومة الالمانية اتبعت اجراءات ربما تختلف عن بقية دول أوروبا وهي تقديمها الخدمة القنصلية الى رعاياها من "الجهاديين" في العراق بالتنسيق مع الحكومة العراقية.
مصادر مصنفة موثوقة داخل اجهزة الاستخبارات العراقية، رفضت الكشف عن هويتها، اكدت، بأن الحكومة الالمانية، بذلت جهود كبيرة واستثنائية للتواصل مع المعتقلين في السجون العراقية، خاصة مع الالمانية ليندا، وسائل الاعلام تحدثت عن وجود( 4 ) نساء المانيا معتقلات ايضا عند الحكومة العراقية.
ماتسعى له الحكومة الألمانية هو استرجاع رعايها من العراق من خلال الحكومة العراقية، وفي سوريا من خلال منظمة الصليب الاحمر والجماعات المسلحة الاخرى، رغم ان التقارير السرية كشفت عن وجود اتصالات الى الحكومة الالمانية مع النظام السوري، الى جانب فرنسا وايطاليا، بهدف الحصول على المعلومات حول عمل التنظيم والمقاتلين الاجانب من المانيا واوروبا بضمنها البيانات الشخصية.
المدعي العام من جانبه، اتبع منذ عام 2015 اجراءات رسمية للتعامل مع بعض الدول التي يتدفق منها اللاجئين منها سوريا والعراق وافغانستان ودول شمال افريقيا للحصول على البيانات الشخصية والتاكد من صحة اصدار الوثائق والشهادات. وهذا انسحب ايضا على المطلوبين في قضايا إرهابية وفقا الى محكمة "كارلسروه Bundesverfassungsgericht " المعنية في قضايا الإرهاب، للحصول على البيانات ونتائج التحقيقات الجنائية.
الإستخبارات الالمانية، لديها مايكفي من المصادر السرية داخل شبكات السلفية "الجهادية" والجماعات المتطرفة داخل المانيا، ونجحت بالكشف عن عدد من العمليات الارهابية قبل وقوعها ابرزها.
وتتبع المانيا نظام جديد في تصنيف الجماعات المتطرفة والخطرة على اراضيها سمي "رادار داعش ـ ITE Radar“"
أبرز العمليات الإستباقية التي نفذتها أجهزة الاستخبارات هي :
ـ يوم 22 أغسطس 2017 : بدأت محكمة ابتدائية ألمانية في مدينة هاله محاكمة مراهق سوري ، بعدما استطاعت الأجهزة الأمنية القبض عليه وإحباط مخطط لأعمال عنف تعرض أمن الدولة لخطر.
ـ يوم 27 سبتمبر 2017 : ذكرت السلطات الألمانية أن شبكة الداعية السلفي “أبو ولاء” كانت تخطط لشن عمليات ارهابية في عدد من المدن الالمانية
ـ يوم 26 أكتوبر 2017 : صادرت شرطة برلين ووحدات مكافحة الإرهاب أسلحة وكمية عتاد كبيرة كانت ستستخدم لتنفيذ هجمات إرهابية .
ـ يوم 1 نوفمبر 2017 : أحبطت السلطات الألمانية مخططا إرهابيا كان سيؤدي إلى وقوع العديد من القتلى بعد إيقافها شابا سوريا يبلغ من العمر 19 عاما عنصرا يشتبه في انتمائه لتنظيم” داعش “.
ـ يوم 17 نوفمبر 2017 : أحبطت السلطات الأمنية الالمانية مخطط لمجموعة من الإرهابيين على علاقة مباشرة بزعيم “داعش” يقودها “يوسف ديمير” باستخدام سيارات ذاتية الحركة لشن هجمات على منشآت أمنية في ألمانيا، وتم إحباط المخطط.
ـ يوم 22 نوفمبر 2017 : أسفرت حملة أمنية واسعة شارك فيها 500 عنصر أمني في ألمانيا، عن إلقاء القبض على مجموعة من اللاجئين يشتبه بأنهم أعضاء في تنظيم داعش كانوا يخططون لهجوم إرهابي. وشملت المداهمات ثمانية منازل في مدن كاسل وهانوفر وإيسن ولايبزيغ.
ـ يوم 29 نوفمبر 2017 ألقت الشرطة الألمانية في منطقة أوبرفرانكن، القبض على لاجئ سوري مشتبه في صلته بالإرهاب، وأعلنت أن من المحتمل أنها حالت بذلك دون وقوع هجوم.
أبرز الهجمات الارهابية التي تعرضت لها المانيا
ـ يوم 28 يوليو 2017 : هاجم رجلا مسلحا بسكين عدة أشخاص في متجر كبير فى مدينة هامبورغ بشمال البلاد ، وكشفت التحقيقات بانه من اصول عربية يدعى “أحمد س” يبلغ من العمر 26 سنة على علاقة بأوساط المتطرفين، وكان “أحمد س” يعاني من اضطرابات نفسية ومعروف بتعاطيه الكحول والمخدرات.
ـ يوم 10 مارس 2017: شن مهاجم مسلح بفؤوس هجوما في محطة قطارات “دوسلدورف” في غرب ألمانيا مما أسفر عن سقوط خمسة جرحى على الأقل، وقالت الشرطة الألمانية في بيان إن ” المشتبه به هو رجل يبلغ من العمر 36 عاما وينحدر من يوغوسلافيا السابقة ويعاني على ما يبدو من اضطرابات عقلية”.
ـ يوم 19 ديسمبر 2016 : دهست شاحنة حشد في سوق مزدحمة لأعياد الميلاد وسط برلين، ولقي 12 شخصا مصرعهم وأصيب 48 آخرون، ويدعى منفذ اعتداء برلين “أنيس العامري” وهو تونسى وعمره 24 عاما، ووصفته شرطة مكافحة الإرهاب “بالخطير جدا، و كان على اتصال مع متشددين إسلاميين في الولاية ، واعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن تنفيذ العملية.
ـ يوم 24 يوليو 2016 : فجر لاجئ سوري نفسه بواسطة قنبلة قرب مهرجان موسيقى فى “أنسباخ” بأقليم “بافاريا”، مما أدى لمقتله وإصابة 12 آخرين ، التحقيقات كشفت بانه يبلغ من العمر 27 عاما، وعثربالهاتف المحمول الخاص به على لقطات فيديو باللغة العربية توضح أن الهجوم كان إرهابيا، وسبق ان اعطى البيعة الى أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم داعش”.
ـ يوم 22 يوليو 2016 : أطلق “على سنبلى” الرصاص على رواد أكبر مجمع تجاري في مدينة ميونيخ بولاية “بافاريا” الألمانية، وانتهى الحادث بمقتل 9 أشخاص وإصابة آخرين، وقالت الشرطة الألمانية إن منفذ هجوم إطلاق النار في مدينة ميونيخ، الشاب الألماني الإيراني الأصل “علي داود سنبلي”، البالغ من العمر 18 عاما، خطط له منذ عام2015، وأشارت السلطات إلى أن منفذ الهجوم لا يرتبط بتنظيم داعش الإرهابي
ـ يوم 18 يوليو 2016 : قتل مهاجر افغانى مسافرين بفأس في قطار بولاية “بافاريا” الواقعة في جنوب ألمانيا، وأصاب أربعة بإصابات بالغة قبل أن تقتله الشرطة بالرصاص، وكشفت السلطات الآلمانية أن المهاجم أفغاني عمره 17 عاما كان يعيش في “أوكسنفورت ” ،و أنه تم العثور على راية لتنظيم” داعش” في غرفة الفتى الأفغاني طالب اللجوء.
ـ يوم 10 مايو 2016 : هاجم مسلحا بسكين ركابا بمحطة قطارات بجنوب “ميونيخ” وأصاب أربعة بجروح بالغة الخطورة ولقي أحدهم مصرعه متأثرا بجراحه، وقال متحدث باسم نيابة عاصمة بافاريا” إن المهاجم ألماني في الـ27 من العمر وقد تم توقيفه”، كما أشار إلى أن الموقوف أدلى بتصريحات عند شن الهجوم تشير إلى دافع سياسي، متطرف على ما يبدو ، وأعلنت السلطات الألمانية أن المشتبه به في الهجوم
ـ يعاني من اضطرابات نفسية ومشاكل مخدرات، وان المحققين لم يخلصوا إلى وجود دافع إسلامي .
المانيا ايضا هي واحدة من بين الدول الأوروبية داخل الأتحاد الأوروبي التي تحصل على معلومات إستخباراتية من "المركز الإوروبي لمكافحة الإرهاب" في لاهاي المرتبط "باليوروبول" وكذلك من وكالة "فرونتكس" المعنية بمراقبة الحدود والمعابر الحدودية وتدقيق الوثائق الى جانب القوة الجديدة لحماية حدود الاتحاد الأوروبي.
الإستخبارات الالمانية تحصل على تغذية بالمعلومات حول التهديدات الخارجية من قبل "اليوروبول" التابع الى المفوضية الأوروبية، المعنية بتقديم التحذيرات عن أي تهديدات امنية، هذه الحلقات مجتمعة، تعكس حرص الإستخبارات الألمانية، برصد العائدين من المقاتلين الاجانب الى المانيا.
االتقرير الأخير للإستخبارات الداخلية الألمانية (BFV ) ، يعكس تراجععها عن متابعة وملاحقة المطلوبين ، التقرير الاخير نص : "حتى الآن لم يتم، إلا في حالات نادرة، إطلاق إجراءات قضائية ضد الجهاديين العائدين إلى ألمانيا. وقد أعلنت النيابة العامة الاتحادية الألمانية مؤخرا أنها بصدد ملاحقة النساء العائدات من تلك المناطق بعد أن كنّ منضمات لصفوف داعش، حتى وإن لم يشاركن في أعمال قتالية" وفقا الى ما نقلته ال (ف.ي/ع.ج.م .ا ف ب).
وهذا يعني تغيير في الموقف الألماني مع العلم ان معدل العقوبة التي يخضع لها "الجهادي" العائد من القتال في صفوف تنظيم داعش هي (ثلاث سنوات ) فقط، وهي جريمة يعاقب عليها القانون الالماني في القضايا الجنائية البسيطة ؟!
وهذا مايثير الكثير من التسائولات حول سياسة المانيا الجديدة تجاه العائدين من القتال في صفوف تنظيم داعش.
وهذا يعكس تراجع الحكومة الالمانية الى جانب بعض الدول في دورها بمحاربة تنظيم داعش والجماعات المتطرفة في معاقله، وربما يعود ذلك لاسباب سياسية داخلية، ابرزها انها تعتقد بان الضغط على معاقل التنظيم، يدفع بموجات جديدة من المقاتلين الاجانب العائدين الى اوطانهم، وممكن ان ينعكس من وجهة نظرها، على امن المانيا واوروبا، بتأجيج خلايا داخلية او انصار للتنظيم بالميول الى تنفيذ عمليات انتحارية. وهذه تعتبر معالجة ناقصة الى الإرهاب كون دول أوروبا تنظر الى الإرهاب من زاوبة ضيقة، وهي امنها الداخلي، وبما يتعلق بعودة المقاتلين على حساب مطاولة الفوضى في دول المنطقة، وهذا مفهوم خطير.
إلأستخبارات الألمانية تحرص على تقديم الخدمة القنصلية وإستعادة رعاياها من "الجهاديين" ربما للآسباب التالية:
ـ عود المقاتلين الأجانب الى المانيا تجعلهم تحت الرصد والمتابعة، واخضاعهم الى برامج لنزع التطرف مع تقديم الدعم النفسي والاجتماعي.
ـ المقاتلين العائدين، البعض منهم يمثلون مصدر للمعلومات الى اجهزة الإستخبارات، وهذا مايساعد الإستخبارات الألمانية بالكشف عن مزيد من خلايا داخل المانيا وهذا ما تسعى له الحكومة.
ـ اقناع السلطات الألمانية لبعض العائدين، بالحديث عن صدمتهم وعن تجاربهم داخل التنظيم في سوريا والعراق، ضمن خطة الحكومة الألمانية في محاربة الإرهاب والتطرف ابرزها دعاية تنظيم داعش .
ـ وصفت المانيا المقاتلين الاجانب العائدين واسرهم وبضمنها الاطفال ب "شعوب تنظيم داعش" وهو سابقة في اجهزة الإستخبارات، ان تطلق هذا الوصف على من عاش تحت ظل مايسمى " دولة الخلافة".
الإستخبارات الألمانية تعتبر عودة المقاتلين الأجانب، مصدر خطر قائم على امنها القومي، وتعتبر الاطفال ايضا خطر كامن، على المانيا، المخاوف بسبب اعتقادها، بان المانيا سوف تشهد جيل جديد من المتطرفين، في المستقبل، نشأ وتربى على ايدلوجية متطرفة في " مدارس" ومعسكرات داعش. يذكر ان تنظيم داعش يخضع الأطفال في عمر ستة سنوات الى الايدلوجية المتطرفة، ليحولهم بعد ذلك الى "اشبال الخلافة"، وهذا مايعطي المانيا الحق، باعتباهم قنابل موقوته.
لكن رغم ذلك، التقديرات تقول بأن الإستخبارات الألمانية مازالت تبذل جهود وربما ضغوطات على الحكومة العراقية، من اجل ترحيل رعايا "الجهاديين" ربما بعد انتهاء التحقيقات معهم في العراق بضمنها اقليم كوردستان وسوريا. الحكومة الالمانية سربت بعض الاخبار بانها مستعدة لترحيل "الداعية العراقي ابو الولاء" الى العراق والمحتجز لدى الحكومة الالمانية لتورطه بتقديم الدعم اللوجستي الى تنظيم داعش وادارته شبكة من الناشطين المتطرفين من داخل المانيا، وان حدث ذلك فيعتبر سابقة، رغم ان الحكومة الالمانية رحلت ثلاث اشخاص ولاول مرة الى دول شكال افريقيا كانوا مطلوبين في قضايا ارهاب منتصف عام 2017.
تبقى الحكومة الالمانية حريصة عن عدم الكشف عن تعاونها الإستخباراتي مع العراق ومع دول اخرى، لكن المعارضة داخل البرلمان "البندستاغ" الالماني من المتوقع ان يضغط على الأئئتلاف الحاكم للكشف اكثر عن الاتفاقات الامنية الاستخباراتية بما يتعلق بعودة المقاتلين الاجانب، وهذا يعني ان المانيا سوف تشهد تفاعلا اكثر في الاشهر القادمة حول عودة المقاتلين الاجانب وزوجات الدواعش.
* باحث في قضايا الإرهاب والإستخبارات ـ ألمانيا / بون