كشف المستور

العراق في ثلاث سنوات.. 100 ألف حريق و800 قتيل

مرة أخرى يقضي العراقيون ليلتهم على دموع وأنين عشرات الضحايا لحريق نشب هذه المرة في قاعة مناسبات غير مطابقة للمواصفات، معيدا إلى الأذهان صورا بشعة لأحداث مشابهة التهمت أجساد أكثر من 800 عراقي خلال السنوات الثلاث الماضية من دون إجراءات حقيقة للردع، وفق ما نقله موقع “ارفع صوتك“.

وبحسب مقاطع متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي فإن الحريق المرعب بدا بالتزامن مع الرقصة الأولى للعروسين حين قدمت إدارة قاعة “الهيثم” للمناسبات في قضاء الحمدانية عرضاً غير مدروس بالألعاب النارية امتدت ألسنة اللهب فيه إلى السقوف الثانوية التي سرعان ما تحولت إلى قطع من النار تتساقط على رؤوس المدعوين.

وأشارت وزارة الصحة العراقية إلى سقوط نحو 100 قتيل وأكثر من 300 جريح إصابات بعضهم شديدة الخطورة وتوزعوا على مستشفيات أربيل ودهوك والموصل.

أعادت المأساة الحالية إلى أذهان العراقيين ذكريات حرائق أخرى مشابهة أدت إلى سقوط عشرات الضحايا في أسواق ومبان ترفيهية وأخرى حكومية أشارت أصابع الاتهام فيها إلى إهمال قواعد السلامة العامة خلال عمليات التشييد.

أهم تلك الحرائق تزامنت مع انتشار فيروس كورونا، في عام 2021، في اثنين من مستشفيات العزل الصحي. وقع الحريق الأول في مستشفى ابن الخطيب في بغداد، أما الثاني فوقع في مستشفى الحسين التعليمي في محافظة ذي قار، وأسفرا عن مقتل وإصابة المئات من المرضى ومرافقيهم.

عقوبات غير رادعة

سلّط حريقا مستشفى ابن الخطيب في بغداد (أبريل 2021) والحسين في ذي قار (يوليو 2021) المخصصان لمعالجة الحالات الخطرة للمصابين بفيروس كورونا الضوء على العقوبات غير الرادعة للحوادث الناجمة عن الإهمال في شروط السلامة، وعدم تأمين منظومات إطفاء الحريق في الكثير من المرافق الحكومية.

في حينها، قامت الحكومة العراقية بسحب يد وزير الصحة وعدد من المديرين العامين والعاملين في الأقسام الهندسية والإدارية الفنية في تلك المستشفيات لإجراء تحقيق عاجل، ووعد رئيس الوزراء آنذاك مصطفى الكاظمي بإعلان النتائج على الجمهور.

ولكن، كالعادة في مثل هذه الحالات، لم يتم إعلان نتائج التحقيق ولم توجه التهم لأي جهة رغم مخالفات البناء الصارخة التي تحدث عنها تقرير مديرية الدفاع المدني والذي أكد على خلو مستشفى ابن الخطيب من منظومة استشعار الحرائق وإطفائها، وأشار إلى أن الأسقف الثانوية عجلت من انتشار النيران بسبب احتوائها على مواد مصنوعة من “الفلّين” سريعة الاشتعال، فيما افتقر مركز العزل في الناصرية لمعدات السلامة والأمان لحظة وقوع الحريق.

بالإضافة إلى نتائج التقرير، كشف مدير الدفاع المدني العراقي، كاظم بوهان، في تصريح عن أن وزارة الصحة لم تستجب للنداء بعدم استخدام مادة شديدة الاحتراق لبناء مراكز العزل. فيما اكتفى الرئيس العراقي، برهم صالح، بإلقاء اللوم في الحادثتين على الفساد والمحاصصة.

قُتل في حرائق المستشفيات تلك نحو 180 شخصاً وأصيب ضعفهم بحروق متفاوتة. واكتفت الحكومة العراقية بتوجيه عقوبات توبيخية لا تتناسب مع حجم الحادثتين، ولم يتم الاعلان عن توجيه أي اتهام يتعلق بمخالفات تنفيذ عقود البناء والانشاء.

19 ألف حريق منذ بداية العام

وكانت مديرية الدفاع المدني أحصت في بيان لها عدد حوادث الحريق في العراق، منذ بداية العام الجاري، حتى تاريخ 13 أغسطس عام 2023 وكشفت عن وقوع أكثر من 19 ألف حريق.

وهو رقم يقل كثيرا، كما جاء في البيان، عن إحصاء عام 2022، والذي وصلت فيه الحرائق إلى أكثر من 32 ألفا في عموم المحافظات عدا إقليم كردستان. وبحسب البيان فإن تلك الحرائق اندلعت داخل مبان حكومية وتجارية ومصانع ومعامل ومخازن ودور سكنية وأراض زراعية وحقول وعجلات وغيرها.

وأوضح البيان أن “أسباب حوادث الحريق توزعت ما بين التماس كهربائي، إذ أن 13 ألفاً و297 حادثاً وقعت نتيجة تذبذب التيار الكهربائي الوطني وشبكات العنكبوتية للأسلاك الكهربائية المتدلية للمولدات الأهلية، لتشكل 47 في المئة من مسبّبات اندلاع حوادث الحريق في العراق”.

وأشار البيان إلى أن إحصائية عام 2022 تعتبر الأعلى إذا ما قورنت مع السنوات الثلاث السابقة، إذ بلغ عددها خلال عام 2020، 29658 حادثا، فيما بلغ عددها، عام 2021، 31533 حادثا.

طاولت تلك الحرائق: “مستشفيات ومبان ومخازن تجارية ومجمعات سكنية، فضلا عن مئات من الهكتارات الزراعية، وخصوصا حقول القمح شمالي وجنوبي البلاد”. أما عدد الوفيات التي حصدتها حوادث الحرائق خلال السنوات الثلاث فبلغ حوالي 855 شخصاً.

مخالفات شروط السلامة

وكان مدير عام مديرية الدفاع المدني، اللواء محسن كاظم، صرح لوكالة الأنباء العراقية (واع)، في مايو من العام الحالي، أن المديرية سجلت وقوع حرائق عديدة خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الحالي في عدد من المطاعم والمباني والمؤسسات الأهلية والحكومية بسبب مخالفات قانونية لشروط السلامة العامة.

وأكد كاظم أنه “تم تسجيل مخالفات في مواقع هذه الحرائق قبل حدوثها، وثبتت ضمن تقارير وحولت إلى جلسة الفصل في المديرية حسب قانون الدفاع المدني”.

وأضاف أن “موضوع الغرامات بحاجة إلى تعديلات قانونية وقدمنا مقترحا لمجلس شورى الدولة برفع حجم الغرامات إلى 10 ملايين دينار ونعتقد أن هذا المبلغ سيكون رادعا للمخالفين”.

وذكر أن “أحد تلك المباني وهو (مبنى كلية التراث) كانت لديها مخالفات لشروط السلامة، إذ تم استعمال مادة الفوم المضغوط وهي مادة سريعة الاشتعال في مكان الحريق، وتم عمل بعض الديكورات في واجهة مبناها أو في تغليف القاعات الدراسية بمواد بلاستيكية التي هي بدورها سريعة الاشتعال”، مؤكدا أننا “سبق أن نبهناهم وأحيلت الكلية إلى جلسة الفصل وتم تغريمهم بموجب قرار وفقاً لصلاحية مدير الدفاع المدني الذي يترأس جلسة الفصل، وتم منحهم مهلة لتلافي أو معالجة هذه المخالفات”.

المخالفات التي تحدث عنها كاظم خلال شهر مايو الماضي، هي ذاتها المخالفات التي سبق أن سجلت خلال الفحص الدوري لقاعة أعراس الحمدانية التي اشتعلت فيها النيران يوم أمس.

وذكرت المديرية العامة للدفاع المدني في بيان جرى تعميمه على وسائل الإعلام أن قاعة الأعراس كانت “مغلفة بألواح الايكوبوند سريع الاشتعال، والمخالفة لتعليمات السلامة، والمحالة إلى القضاء حسب قانون الدفاع المدني المرقم 44 لسنة 2013 لافتقارها إلى متطلبات السلامة من منظومات الإنذار والإطفاء الرطبة”.

وأوضح البيان أن ذلك أدى إلى انهيار أجزاء من القاعة نتيجة استخدام مواد بناء سريعة الاشتعال منخفضة التكلفة تتداعى خلال دقائق عند اندلاع النيران”. وهو ما سرّع في “نشر الحريق بسرعة كبيرة وفاقم الأمر الانبعاثات الغازية السامّة المصاحبة لاحتراق ألواح الايكوبوند البلاستيكية سريعة الاشتعال والذي تسبب بوقوع ضحايا وإصابات بين عدد من الموجودين نتيجة تنشّقهم الغازات السامّة”.

أرفع صوتك/ الحرة

زر الذهاب إلى الأعلى