د. بندر عباس اللامي: البطاط يقلب الطاولة على حلفائه؟!

انتشر امس واليوم مقاطع لفديو لقاء مع المعمم البطاط وحاولنا في هذا المقال ان نحلل تحليلا منطقيا علميا للخطاب السياسي الاستفهامي التهكمي المكثف للغاية الذي يستند إلى تصريحات منسوبة إلى البطاط وله علاقة واضحة باغتيال والد مقتدى الصدر وهي قضية حساسة وتاريخية في العراق تتعلق باغتيال المغفور له المرجع السيد محمد صادق الصدر ونجليه عام 1999.
ويمكن لنا تحليل مضمون هذا الفيديو الذي تم بثه وتم تداوله بشكل واسع من عدة زوايا رئيسية:
1. تحليل الاستناد والادعاء المركزي (نظرية المؤامرة الداخلية) وتتلخص الفرضية المركزية التي يقوم التصريح على فرضها أن الاغتيال لم يتم من قبل النظام العراقي قبل الاحتلال كما يروج كذبا بل تم تنفيذه من قِبل جهة أو مجموعة ضمنية تابعة للنظام الحالي الذي أسسه الاحتلال أو جهات متنفذة داخله وتحديداً ما يُطلق عليهم “ضباط الدمج”.
ويستشهد (البطاط ) والذي يفترض أن “جريمة الاغتيال منكم وبيكم” ومن ضباط الدمج ؟! ويتم توجيه السؤال المباشر للسيد مقتدى الصدر لاستخلاص “اعتراف صريح” بأن يقر ان النظام السابق حقيقةً بريء من دم والده!!
كما يقدم البطاط الاستنتاج والدليل المنطقي المعكوس الذي يتلخص بفرضية لو ان “القتلة” (هم من ضباط الدمج) وهذا يوجه الاتهام نحو الجهة التي كرّمتهم بمنحهم رتب “الدمج” بعد عام 2003.
2. تحليل الاتهام الموجه (الجهة المتنفذة)
حيث يركز حديث البطاط على تحديد الجهة القوية التي كانت قادرة على ارتكاب الجريمة ثم حماية القتلة ومنحهم بعد الاحتلال رتب الدمج وهي الرتب العسكرية التي منحت لعناصر الميليشيات والأحزاب الذين تم دمجهم في الأجهزة الأمنية وتسليم السلطة للثلة الفاسدة والمليشيات الحاكمة منذ عام 2003).
ويبقى هنا السؤال الجوهري من هي الجهة المتنفذة والقوية والمسيطرة التي تستطيع منح ((رتب الدمج)) للقتلة ؟؟”
واضح تماما ان الاتهام الضمني بشكل مباشر وصريح إلى الأحزاب والفصائل المسلحة الولائية الشيعية المتنفذة التي سيطرت على العملية السياسية والأمنية في العراق بعد عام 2003 ؟! والتي كان لها يد في عملية فرض عمليات الدمج. والبطاط يتهم هذه الجهات ليس فقط بالتواطؤ! بل بالتخطيط والتنفيذ لاغتيال علماء الدين البارزين كالصدر والخوئي؟!
3. اما تحليل الخطاب من الناحية العاطفية والاستفزاز الديني فتصريحات البطاط وظفت خطاباً عاطفياً ودينياً قوياً لاستفزاز الجمهور الشيعي الذي يؤكد البطاط ان الثلة الحاكمة والمليشيات غرروا به وخدعوه مثلما خدعوا وغرروا بالبطاط ؟؟!! ويحاول البطاط تحريك الشيعة بهدف مخاطبة الحس الطائفي والديني لتحميل الجمهور الشيعي الذي يمثل ٤٢٪ من العراقيين مسؤولية التقاعس عن الثأر وإقامة العدل لمراجعهم من المعممين !
كذلك حاول البطاط بتصريحاته تصعيد المخاطر بالربط بين عدم الثأر للمعممين وبين تهديد المواطن البسيط فإذا تطاولوا بقتل سادتكم… فما هم فاعلين بكم وبالمواطن البسيط ؟؟
4. تحليل السؤال الوجودي (الدولة والسلطة) ويختتم البطاط مضمون تصريحاته المثيرة للجدل في هذا التوقيت بأسلوب فلسفي/سياسي عن طبيعة الكيان السياسي القائم في العراق المحتل متسائلا هل نحن دولة أم سلطة!!؟؟ أم نحن مجاميع لاتعرف العدل ولاالقانون ولاالمواطنة فكلها تم اختزالها بهذه الدولة الهجينة.
ان هذا التصريح المثير يلخص وجهة نظر البطاط وربما كثيرين من المعممين الساخطين على هيمنة ثلة من المتسيسين الفاشلين على الدولة والسلطة التي مفادها أن الكيان الحاكم ليس دولة حقيقية تلتزم بالعدل والقانون بل هو مجرد مجموعات من (الميليشيات والأحزاب المتنفذة) استولت على مقاليد السلطة واستبدلت سيادة الدولة والقانون بمصالحها المادية الخاصة وحماية مرتكبي الجرائم.
اذن يُعد هذا التصريح قطعة خطابية سياسية حادة برأت النظام في العراق قبل الاحتلال ووجهت الاتهام و اللوم عن اغتيال السيد محمد صادق الصدر إلى القوى المتنفذة داخل النظام السياسي العراقي وكذلك مقتل الخوئي بعد ٢٠٠٣ وبالاستناد إلى تصريحات البطاط التي طرح فيها فرضية “الخيانة الداخلية”…حيث اعترف وهو المطلع والعارف حسبما ادعى أن القتلة الحقيقيين هم عناصر أُعيد دمجها في الأجهزة الأمنية في النظام الحالي تحت مسمى “ضباط الدمج” !!! وأن الجهة التي سمحت لهم بذلك هي نفسها الجهة التي خططت للجريمة وتواطأت فيها.؟؟؟
البطاط الشريك القوي في النظام الحالي طرح بهذا اللقاء المتلفز نقطة ضعف منطقية وهي غياب مطاردة القتلة والمجرمين من قبل النظام الحالي ليؤسس عليها اتهاماً مباشراً للطبقة السياسية الحاكمة بعد عام 2003. ولاحظنا أن البطاط استخدم اللغة العاطفية جداً وتستدعي الوعي الديني والولاء الطائفي بتكرار نداء “ياشيعة”محرضةً على المطالبة بالعدالة والثأر للمعممين المغتالين.
في جوهره يعكس البطاط حالة اليأس والتشكيك منه شخصيا ومن الجميع في بنية الدولة والنظام الحاكم في العراق بعد احتلاله فالتساؤل الذي يجب طرحه الان هل في العراق دولة أم سلطة؟ وهو بمثابة إدانة صريحة للنظام القائم وتعبير عن الاقتناع بأن العراق يُدار بواسطة مجاميع حزبية وفصائلية تفتقر إلى الايمان بالعراق وبسيادة القانون واحترامه وتختزل الدولة في مصالحها الضيقة …. مما يسمح بحماية الجناة وهم كثر وعدم تحقيق العدالة في القضايا الحيوية كقضية اغتيال مرجع ديني مثل محمد الصدر والخوئي هذا الخطاب البطاط وغيره من المحسوبين على النظام الحالي هو محاولة نزع الشرعية الأخلاقية عن الأحزاب والمليشيات التي استلمت السلطة بعد عام 2003ودمرت البلاد وسبت العباد !!
