أجيال ضائعة في مدارس داعش الفاشلة
يظل الأطفال هم الفئة الأكثر ضعفاً التي تدفع ثمناً باهظاً في الحروب والنزاعات المسلحة، وقد تسبب داعش في ضياع حقوق جيل كامل من الأطفال في المناطق الواقعة تحت سيطرته في سوريا والعراق؛ إذ عمد التنظيم الإرهابي إلى استخدام شتى الطرق لتجنيدهم، وباتت ظاهرة "أشبال داعش" معضلة ينبغي إيجاد السبل الملائمة للتعامل معها.
ويشير تقرير نشرته مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية إلى أن داعش استقطب في السنوات الأخيرة اهتماماً كبيراً بنظامه التعليمي؛ نظراً لما
يتعلمه الأطفال داخل مدارسه حيث يتم تلقين "أشبال داعش" (المصطلح المستخدم لوصف مقاتلي داعش القاصرين الذين تقل أعمار معظهم عن عشر سنوات) وتدريبهم على الأعمال العسكرية العنيفة وقطع رؤوس السجناء.
ويستند التقرير، الذي أعدته كنانة قدور، وهي معلمة أمريكية من أصل سوري تعمل في مبادرات تعليم وتدريب المعلمين والشباب السوريين النازحين في كل من الأردن وتركيا، إلى عدد من المقابلات التي أجرتها قدور مع مجموعة كبيرة من المعلمين والأباء الذين فروا إلى جنوب تركيا من أراضي داعش في سوريا، وتحديداً دير الزور والرقة وريف حلب.
لا تعليم في مدارس داعش
ويكشف تقرير "فورين أفيرز" الصورة الزائفة للنظام التعليمي لداعش التي تروج لها الآلة الدعائية للتنظيم؛ إذ تدعي قنوات داعش على وسائل التواصل الاجتماعي بأن الكتب الدراسية في "النظام التعليمي للخلافة" تشمل مجموعة واسعة من المواضيع مثل الجغرافيا والتاريخ وبرمجة الحاسوب والكيمياء والرياضيات واللغة الإنجليزية.
ولكن بحسب المقابلات الواردة في التقرير ثمة فجوة كبيرة بين العالم الافتراضي للتنظيم والحقيقة على أرض الواقع؛ إذ فشل ديوان داعش للتربية والتعليم في توفير أساسيات العملية التعليمية مثل الكتب المدرسية، وعندما استولت قوات داعش على دير الزور في يوليو(تموز) 2014 أغلقت المدارس لمدة شهرين لحين الانتهاء من إعطاء جميع المعلمين الذين رفضوا التعهد بالولاء للتنظيم الإرهابي "دورة متخصصة في الشريعة".
كذلك، حظر داعش الكتب المدرسية المطبوعة لنظام بشار الأسد والحكومة السورية المؤقتة التي كانت تديرها المعارضة. ولم يحصل المعلمون على أي مناهج شاملة أو كتب مطبوعة باستثناء مناهج إلكترونية لعلوم الشريعة الإسلامية، والأدهى من ذلك أنه لا يتوافر لدى المعلمين أو حتى المدارس إمكانية الدخول على الانترنت.
إغلاق مدارس داعش
ويوضح التقرير أن الكثير من الإشكاليات داخل مدارس داعش كانت نابعة من عدم استعداد التنظيم الإرهابي لتحمل كلفة إعادة تأهيل البنية التحتية التعليمية وخاصة في مناطق مثل دير الزور حيث تضررت المدارس على نطاق واسع. وتسببت عدم رغبة داعش في الإنفاق على التعليم إلى خلق مشكلات كثيرة مثل غياب المعلمين المؤهلين وعدم إنشاء نظام للسجلات لتتبع التسجيل والالتحاق بالمدارس ورصد المتسربين، وكانت الامتحانات ضئيلة للغاية، وبات محو الأمية فقط هو الهدف الأساسي للمرحلة الإبتدائية، كما كان لكل مدرسة منهج مختلف.
وواجه داعش تحديات نتيجة رفض معظم المعلمين السوريين التعهد بالولاء له، بحسب الإفادات الواردة في تقرير "فورين أفيرز"، ومع اعتراف داعش بعدم قدرته على مراقبة وتنظيم المدارس والقلق المتزايد من عصيان المعلمين، اتجه داعش إلى إغلاق مدرسة تلو الأخرى، ومنذ عام 2015 وحتى عام 2016، كان ديوان داعش للتربية والتعليم في سوريا (والمديريات المحلية في كل مقاطعات داعش) متوقفاً بشكل أساسي، وبحلول عام 2017 باتت جميع مدارس داعش مغلقة تقريباً، وهي نتيجة متوقعة بسبب انخفاض معدلات الحضور وقلة أعداد هيئة التدريس وتدني رواتب المعلمين فضلاً عن تعرض مدن مثل الرقة للقصف من القوات المعادية لداعش. بيد أن الألة الدعائية لداعش استمرت في بث صورة وهمية لإنتاج الكتب المدرسية الإلكترونية؛ من أجل الإيحاء بأن داعش لا يزال لديه نظام تعليمي منظم.
ديوان الدعوة والمساجد
ويلفت التقرير إلى أن آلة التجنيد الحقيقية لداعش تمثلت في ديوان الدعوة والمساجد الذي يدير مراكز الشريعة والمساجد وخطب الجمعة وما يُطلق عليه "مراكز الإعلام والدعاية" التي شملت شاشات كبيرة لعرض لقطات من المعارك ومشاهد قطع الرؤوس وخطب أبو بكر البغدادي زعيم داعش والهتافات والأغاني الإسلامية. وكان يتم وضع تلك الشاشات في المناطق الشعبية المزدحمة مثل ساحات المدينة وأماكن التسوق لجذب الأطفال، إذ كانت تشبه دور السينما المفتوحة وتعتبر مصدراً للترفيه.
أطفال لا يعرفون سوى القتال
ويشير التقرير إلى أن تلك المراكز الإعلامية كانت تنافس المدارس، وأن الأطفال كانوا يفضلون قضاء أوقاتهم فيها بدلاً من المدارس التى لا تقدم سوى علوم الشريعة، أما ديوان الدعوة والمساجد والمراكز التابعة له فكانت تقدم للأطفال الوجبات الخفيفة والموسيقى لتشجيعهم على الانضمام إلى داعش وتشكيل جيل من الأطفال لا يعرف سوى القتال.
أولوية داعش
ويخلص التقرير إلى أن مهمة تلقين الأطفال وتجنيدهم كانت هي الأولوية بالنسبة إلى داعش من خلال ديوان الدعوة والمساجد، ومن ثم فإن التعليم الرسمي بات غير معروف تقريباً في المناطق الخاضغة لسيطرة داعش. ويؤكد ضعف النظام التعليمي لداعش كذب الإدعاءات بأنه دولة تعمل بشكل كامل لا مجرد منظمة عسكرية. وعلى الرغم من تركيز الآلة الدعائية لداعش على أهمية تعليم الجيل القادم للخلافة الإسلامية "المزعومة" فإن الحقيقة القاتمة هي أن الأطفال بالنسبة إلى التنظيم ليسوا إلا مقاتلين محتملين. وبعد انهيار داعش في سوريا، يحتاج صناع القرار إلى معالجة الفراغ التعليمي الذي تعرض له جيل من الأطفال السوريين على مدى السنوات العديدة الماضية
24