مقالات رئيس التحرير

د. علي الجابري : لهذه الأسباب إنتصرت انتفاضة الجنوب العراقي

إنتفاضة الجنوب العراقي التي إنطلقت شرارتها من مدينة البصرة التي تربطها حدود مع ايران والكويت، وتمتلك اكبر خزين ستراتيجي من النفط العراقي، تحمل دلالات عديدة، كشفت حقيقة كانت خافية على الكثير من المتابعين للمشهد العراقي من دول المنطقة او العالم.

فهذه الانتفاضة العارمة التي كان ظاهرها نقص الخدمات وتفشي البطالة وانقطاع الكهرباء على العراقيين في وقت ترتفع فيه درجات الحرارة لارقام قياسية ، وضعت العديد من مدن الجنوب العراقي في قائمة اكثر المدن حرارة في العالم. أظهرت حقيقتين مهمتين لم يكن الكثير يتخيلها من المراقبين : الاولى أن الخطوة التي اقدمت عليها الجارة ايران التي تدعي انها مناصرة للعراق وللمذهب الشيعي خاصة بقطع الكهرباء عن أبناء الجنوب ذات الاغلبية الشيعية، تعد أحد الاوراق التي ارادت ايران من ورائها خلط الاوراق وايصال رسائل كثيرة للعراقيين والعالم بالتزامن مع قرار فرض العقوبات الاقتصادية على طهران.

والحقيقة الثانية وهي الاهم ، ان العراقيين ، وخاصة أبناء الجنوب، تمكنوا من الاعلان جهاراً عن رفضهم للتدخلات الايرانية في العراق ، ودعم ايران لاحزاب السلطة الفاسدة والميليشيات المسلحة الممولة بالكامل من طهران ، وتسلط تلك الاحزاب على رقاب العراقيين بقوة نفوذ المال والسلاح منذ (15) عاماً. وهذا ما كان ليستمر لولا الدعم الايراني اللامحدود لتلك الاحزاب التي نشأت وترعرت في قم وطهران، لتكون الاداة الايرانية في السيطرة على العراق بعد احتلاله عام 2003.

إن قيام المتظاهرين العراقيين برفع شعار موحد من جنوب العراق حتى العاصمة بغداد "إيران برا برا .. بغداد تبقى حرة" لهو رسالة واضحة للاحزاب الموالية لايران في الحكومة العراقية ، ولايران نفسها ، ان الزمن الذي كنتم تكتمون فيه الاصوات وتنهبون الثروات إنتهى الى غير رجعة ، وآن الاوان ان تسمعوا صوت الشعب، الذي لن يغفر لكم الخيانة والعمالة ونهب ثروات وقوت المواطنين العراقيين ، وتسخيرها لاجل خدمة مصالحكم الحزبية والشخصية وترسيخ حكمكم بالقوة.

ان الجنوب العراقي الذي كان متهماً لسنوات طوال بموالاته لايران ، احرق في تظاهرة واحدة كل هذه الصورة النمطية التي حاول البعض ترسيخها من اجل ان يتقبل اهل العراق فكرة الحرص والدعم الايراني للعراق، بينما تسعى في حقيقة الامر الذي فرض نفوذها واتباعها من اجل مصالحها فقط، غير آبهة بكل معاناة العراقيين التي سببتها سياسات الاحزاب الحاكمة.

لذلك فإن الانتفاضة العراقية نجحت وانتصرت قبل ان تنتهي من تحقيق كامل اهدافها، لانها أنهت إسطورة النفوذ الايراني في العراق الى غير رجعة، مثلما أوصلت رسالة لاحزاب السلطة الفاسدة بإن السكوت ضياع الحقوق لن يدوم الى الابد، مهما حاولتم تشويه صورة الانتفاضة الشعبية التي أوقد شرارتها شباب العراق الناقم على الطائفية والحزبية الضيقة، بحثاً عن فضاء وطني أوسع، لا مكان فيه للسراق والانتهازيين الذين يقدمون مصلحة ايران على مصلحة وطنهم الجريح.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى