أخبار الهجرة

تونسي كرس أكثر من 3 عقود لتجميع أغراض المهاجرين الغرقى بمتحف

كرس محسن لهيدب، وهو موظف متقاعد من البريد التونسي، أكثر من ثلاثة عقود من عمره لبناء "ذاكرة البحر والإنسان"، وهو عبارة عن متحف شخصي في مدينة جرجيس، جنوبي البلاد، جمع فيه الآلاف من أغراض المهاجرين، التي ألقى بها البحر. وأصبح هذا المتحف مع مرور السنوات مزارا لمثقفين من ربوع العالم ولوسائل الإعلام الدولية.

 

ينتاب الزائر نوع من الرهبة الممزوجة بالفضول عندما تطأ قدماه متحف "ذاكرة البحر والإنسان" في مدينة جرجيس جنوبي  تونس. غالبية المعروضات تتحدث عن مآسي إنسانية لمهاجرين حاولوا يوما عبور البحر، تطوع محسن لهيدب جمعها قبل أن يرتبها في هذا المتحف.

آلاف الأحذية والأغراض لمهاجرين جمعها هذا الموظف السابق في البريد، 65 عاما، وخصص لها جزءا مهما من بيته، في مبادرة غير مألوفة من الوسط المحلي بل والوطني. "كانت نظرة المحيط سلبية في البداية"، يقول صاحب المتحف، إلا أنها لم تثنه عن الاستمرار في مشروعه الثقافي.

مبادرة ذاتية

انخراط لهيدب في هذه العملية يعود لعدة سنوات، وتحديدا إلى العام 1993. ولا يخفي أن ذلك كان بناء على قناعات "فكرية وإيديولوجية" مرتبطة أساسا بالشأن البيئي. لكنها تطورت بسرعة لتشمل قضية الهجرة، خاصة وأن نظره وقع في مرات على جثث مهاجرين أو قطع منها لفظها البحر، وكان بالنسبة له أدنى ما يمكن تقديمه لهؤلاء "حفظ ذكرياتهم".

 

Des tongs exposes dans le muse de Mohsen rcupres sur la plage Crdit  InfoMigrantsDes tongs exposées dans le musée de Mohsen, récupérées sur la plage. Crédit : InfoMigrants

 

 

ولا يتردد في قراءة خاطرة له لزائري المتحف، كتبها باللغتين العربية والفرنسية في 2003 عندما عثر على جثة مهاجر ألقى بها البحر على رمال الشاطئ في منطقة جرجيس. "كانت بالنسبة لي الطريقة الوحيدة لتكريم ذكراه ومعها ذكرى بقية المهاجرين". كما أنه يرى فيها الوسيلة المثلى لانتقاد تمترس أوروبا داخل حدودها، وجسده أكثر في تشكيل على الأرض عبر قوارير من المياه الفارغة، يحمل فيها مسؤولية مآسي الهجرة لأوروبا، بسبب إغلاق حدودها بوجه الشباب.

 

ويواصل لهيدب حديثه لمهاجر  نيوز وهو يتجول عبر معروضات المتحف قبل أن يتوقف عند معطف طفلة عثر عليه في 2004 قائلا بالكثير من الأسى البادي على وجهه "أتألم كثيرا عندما أعثر على ألبسة أطفال". ومن خلال ما يقوم به، يحتج على هكذا وضع. "مبادرتي تحرج البعض. وعرضتني للكثير من المضايقات من طرف النظام السابق"، يلفت هذا المعارض "الشرس" لحكم زين العابدين بنعلي.

"نجحت في تمرير رسالتي"

وإن كان من الصعب أن يقود مبادرة من هذا الحجم بمفرده، إلا أن لهيدب كانت له الطاقة اللازمة لأن يقوم بذلك معتمدا على نفسه فقط. "هناك من صاحبني في المبادرة لمدة، إلا أنهم تعبوا مع مرور الوقت"، يتحدث صاحب "ذاكرة البحر والإنسان" عن عزمه منذ البداية على استمرار هذا المشروع الثقافي، الذي أصبح مع مرور السنوات مزار المثقفين ووسائل الإعلام الدولية، إضافة إلى أطفال المدارس بالمنطقة.

وخاض لهيدب معارك على أكثر من مستوى لأجل إخراج مبادرته لحيز الوجود ومواصلة الإشراف على إشعاعها. لقد اضطرت أسرته لتقبل الفكرة مع مرور الوقت بفضل إصراره. "تبنت عائلتي المبادرة، لأنها كانت تراني سعيدا وأنا أرعاها"، وشدد منذ انطلاقتها على أن تكون "مستقلة"، لأنه من الأشخاص "المتمسكين بحريتي في اختياراتي".

 

محسن

 

 

"لقد نجحت في تمرير رسالتي" بحمولتيها "البيئية والإنسانية"، يقول لهيدب. فزيادة على أنه عمل طيلة هذه السنوات لمنح "ذاكرة" لهؤلاء المهاجرين الذين انتهت رحلاتهم في عرض المتوسط، وانضافوا إلى مآسي الهجرة السرية، فهو أيضا حاول "تطبيع العلاقة بين الإنسان وفضلاته"، حسب تعبيره.

وهذا الزخم من الاهتمام بالإنسان والبحر فجر لديه قريحة الكتابة أيضا. فهذا العاشق للبحر، كتب عن الإنسان واليم كذلك. وكتابه "مامادو وصمت البحر" غيض من فيض، جمع فيه شهادات وقصائد عن ذلك.  ويتوفر على خزان من المعلومات، يمكن أن تشجعه يوما على الكتابة مجددا.

 

 

 
 
 
 
 
infomigrants
زر الذهاب إلى الأعلى