منظمات الإغاثة في البحر المتوسط.. خدمة نقل أم عملية إنقاذ انسانية؟
ويسلط هذا النقاش الدائر بين مسؤولي الاتحاد الأوروبي حول دور جماعات الإغاثة في البحر المتوسط الضوء على المعضلة التي يواجهونها بين الالتزامات الأخلاقية والقانونية التي تقضي بمساعدة المحتاجين والضغوط المتنامية من الناخبين لإبعادهم.
ففي العام الماضي وصل أكثر من 360 ألف لاجئ ومهاجر هاربين من الحروب والفقر إلى الشواطئ الأوروبية عبر البحر المتوسط، ووصل أغلبهم على متن سفن إنقاذ أوروبية، وغرق آلاف غيرهم في البحر بعد أن حملهم مهربو البشر في زوارق غير ملائمة للرحلة الطويلة بين ليبيا وإيطاليا.
وتحول نهج الاتحاد الأوروبي على نحو متزايد إلى الحيلولة دون مجيء المهاجرين، وأدى ذلك إلى إدانة واسعة النطاق من الجماعات الحقوقية، لكنه حقق بعض النتائج في تهدئة مخاوف الناخبين.
وقال مسؤول في بروكسل إنه لا بديل عن توجيه اللوم للمنظمات الأهلية، وأضاف "لا يمكن أن نتحاشى ذلك، رغم أن ذلك ضار بالمهاجرين، فعمل المنظمات الأهلية بهذا القرب من الشواطئ الليبية يرقى إلى تقديم خدمة نقل، كأن المهربين يسلمون الناس مباشرة لزوارق المنظمات الأهلية".
وصعّدت جماعات مثل أطباء بلا حدود و"إم أو أيه إس" و"سي ووتش وإس أو إس ميديتراني" و"سي آي" و"أنقذوا الأطفال"، من عمليات البحث والإنقاذ واقتربت بنشاطها أكثر من الساحل الليبي بعد أن هالها معدل الخسائر في الأرواح.
وأصبحت تلك المنظمات تعمل في مناطق أبعد في اتجاه الجنوب من سفن الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي كما أن السفن التجارية مستعدة للمشاركة بسبب مخاوف قانونية وأمنية وسياسية، وتقول منظمة أطباء بلا حدود إن هذه الخطوة ضرورية لإنقاذ المزيد من الأرواح.
ويدور النقاش حول هذا الموضوع في مختلف أنحاء الاتحاد الاوروبي، وقال وزير الهجرة البلجيكي ثيو فرانكين في مارس (آذار)، إن أطباء بلا حدود تشجع مهربي البشر، فسارع رئيس الوزراء شارل ميشيل لتوبيخه وطالبه "باحترام العمل الإنساني".
وتنفي جماعات الإغاثة مساعدة المهربين بأي شكل من الأشكال.
زوارق بلا محركات
توضح بيانات الأمم المتحدة أن المسار الرئيسي للمهاجرين الأفارقة إلى أوروبا حصد أرواح ما يقرب من 4600 شخص عام 2016 وحوالي 1300 شخص تقريباً منذ بداية العام الجاري.
وقالت وكالة فرونتكس الحدودية التابعة للاتحاد الأوروبي، إنه تم في العام الماضي إنقاذ 50 ألف شخص آخرين من مراكب انقلبت أو من زوارق مطاطية تحمل من الركاب ما يفوق طاقتها.
وصعدت أطباء بلا حدود وغيرها من المنظمات الأهلية جهود الإنقاذ في موسم الهجرة الأخيرة الذي يبدأ في فصل الربيع عندما تهدأ حالة البحر واقتربت من الشاطئ، وتقول فرونتكس إن هذا سمح للمهربين بتعظيم أرباحهم باستخدام زوارق متداعية وتقديم كميات قليلة من الوقود أو الطعام بل وإزالة المحركات في بعض الأحيان الأمر الذي أدى إلى زيادة الخسائر في الأرواح.
وطالبت الوكالة بمراجعة دور المنظمات الأهلية، وفتحت السلطات في ميناء كاتانيا الايطالي تحقيقا لتقصي الحقائق في دور الجمعيات الأهلية، وعندما بدأ المدعي العام كارميلو زوكارو التحقيق في فبراير (شباط)، قال إنه يبحث عن أي علامات على التواطؤ بين المنظمات الأهلية ومهربي البشر، كما يبحث البرلمان الايطالي دور المنظمات الأهلية في عمليات البحث والإنقاذ قرب الساحل الليبي.
وقال رئيس فرونتكس فابريس ليجيري "علينا أن نحقق التوازن بين إنقاذ الأرواح وبين التأكد من ألا تغذي تصرفاتنا نشاطا إجرامياً، تشجيع المجرمين على تكييف أساليب عملهم مع وجود سفن تقترب من ليبيا".
مسألة ساعات
قال ليجيري إن ما يقرب من نصف جميع عمليات البحث والإنقاذ تنفذها الآن المنظمات الأهلية الأمر الذي يزيد من صعوبة فرض الحكومة الرقابة على العملية، وأضاف "هدفي ليس هو تحميل المسؤولية للمنظمات الأهلية أو لأحد، بل تسليط الضوء على الحقائق، المفارقة لدينا أن عام 2016 شهد أكبر عدد من السفن التي تجوب المنطقة، ومع ذلك شهدنا أيضاً أكبر عدد من الخسائر في الأرواح".
وتؤكد أطباء بلا حدود وجماعات إغاثة أخرى تشارك في عمليات البحث والإنقاذ أن هدفها هو إنقاذ الأرواح، غير أن مسؤولين كثيرين في الاتحاد الأوروبي يقولون إن المنظمات الأهلية تشجع تدفق المهاجرين ولو عن غير قصد.
وأوضح دبلوماسي بالاتحاد الأوروبي في بروكسل "نحن نعتبر عمليات الإنقاذ تلك عامل جذب دائماً، فإذا عرف المهاجرون أنه سيتم إنقاذهم فسيأتون".
وتقول المنظمات الأهلية إنها تحولت إلى كبش فداء لفشل الاتحاد الأوروبي في إدارة مسألة الهجرة، مع سعي الساسة للاستفادة من المشاعر المناهضة للهجرة بين الناخبين.
ووقف نائب رئيس المفوضية الأوروبية فرانز تيمرمانز بشدة إلى جانب المنظمات الأهلية، وقال الشهر الماضي: "إنقاذ الأرواح في البحر ورعاية الضعفاء، شيء مختلف عن الترويج للهجرة غير النظامية".
وأضاف "ما من دليل قط على أن المنظمات الأهلية تعمل مع شبكات التهريب الإجرامية لمساعدتها على دخول الاتحاد الأوروبي".