د. علي الجابري : مالمو حزينة .. وتخشى المجهول ؟!
لم يكد جرح مدينة مالمو السويدية ان يندمل نتيجة مقتل طبيب الاسنان العراقي الشاب “رامي” الشهر الماضي، حتى فجعت المدينة بنبأ مقتل فتى آخر، عراقي الاصل، لم يتجاوز عمره السادسة عشرة عاماً امام مرأى الناس.
لا تقف المشكلة عند هاتين الجريمتين اللتين طالتا شابين بريئين لا ذنب لهما، او سوابق مع العصابات الاجرامية التي تنتشر في المدينة، بل تتعداها لما هو اكبر واخطر .. خاصة اذا ما علمنا ان المدينة شهدت خلال عام واحد (12) جريمة قتل، بمعدل جريمة قتل شهريا من دون ان تتمكن الشرطة من فك لغز اي من تلك الجرائم ؟!
أخبرني عضو في مجلس بلدية مالمو ان الناس ما عادت تثق بالشرطة، وان العصابات تأخذ الاتاوات و (الخاوة) بشكل علني، وان بيع السلاح منتشر بكثرة، وتجارة المخدرات رائجة الى حد ان الناس تتداول اسماء العصابات وافرادها، لكن الشرطة لا تتحرك؟!
لا اجد تبريراً لهذا التهاون في ملاحقة المجرمين ، او عدم زيادة موارد الشرطة في المدينة التي تفجع شهرياً بواحد من خيرة أبنائها، ولا أجد تفسيراً لتغول تلك العصابات الا إيماناً منها بتراخي دور الشرطة ، وضعف القوانين التي تحاسب تجار السلاح والمخدرات والارواح، وخاصة ممن هم بإعمار دون الـ (18) عاماً.
ربما يقول قائل ان السويد وضعت قوانينها لاناس غير هؤلاء، ولزمن غير هذا الزمن، لكن الضرورات تحتم إعادة النظر بتلك القوانين والعقوبات .. تماماً مثلما تراجعت السويد عن دورها الريادي بإستقبال اللاجئين عندما فرضت قوانين جديدة تفرض رقابة على حدودها الخارجية ؟!
لا شك ان ضعف دور الشرطة يوصل رسالة سيئة للمجرمين ، ويضعف هيبتها في نظر الناس، والكارثة الاكبر ما صرح به عضو المجلس البلدي للمدينة ، الذي دق فيه ناقوس الخطر الاكبر .. وهو ان عدم ثقة الناس بقدرة الشرطة على حفظ الامن سيدفعهم الى حماية انفسهم بإنفسهم عن طريق الاحتماء بتلك العصابات كالمستجير من الرمضاء بالنار ؟!
السويد بلد علّم العالم الديمقراطية والحرية، وليس من المعقول ان يأتي اليوم الذي نشاهد فيه اطفالنا حبيسي البيوت خشية القتل على أيدي مجهولين ؟!
لا نريد للسويد ان تتحول الى بلد مواطنين ومهاجرين، يحتمي كل منهما بمن يعتقد انه قادر على حمايته ، ولا يمكن السماح للمتطرفين من كلا الجانبين ان يدقا اسفين التفرقة والعداء بين ابناء البلد الواحد، الراغبين بالعيش بسلام.
يجب ان تتحرك الحكومة بجدية أكبر لتطمين مواطنيها بإن سلطة القانون اكبر من سلطة العصابات الاجرامية، وان يدها قادرة على الوصول للقتلة. ويجب ان يتكاتف الناس مع بعضهم في هذا الظرف العصيب، دون السماح للمتربصين الاساءة للسويديين من أصول مهاجرة ، وقطع الطريق أمام العنصريين الذين يحاولون في كل فرصة ان يبرهنوا ان العصابات الاجرامية والقتل الذي تشهده السويد سببه الاجانب ؟!
بالمقابل ان ما حدث في مالمو ينبغي ان ينبه الناس ويدفعهم الى الوقوف ضد تلك العصابات بالتزامن مع دور حقيقي وفاعل للشرطة، التي ينبغي ان تدرك جيداً ان دورها يكمن في ان تكون عنصر ثقة وارتياح من قبل الجميع، لا أن تكون مصدر إستهزاء وعدم ثقة بقدراتها من قبل الاغلبية. وهذه الثقة لن تتعزز ما لم يتم فك ألغاز جرائم مالمو وتقديم القتلة الى العدالة.
مالمو التي خرجت بالامس امام مبنى محافظة مالمو للمطالبة بالقصاص من قتلة الشابين البريئين “رامي” و”احمد”، تترقب وتنتظر بين خيارين لا ثالث لهما : إما ان يوضع حد لهذا القتل الهمجي غير المبرر، وكشف الجناة، او ان تصحو على وقع نبأ جديد بضحية جديدة تلتحق ب “رامي” و”احمد” ؟! وهذا ما لا نتمناه ابداً.
لمراسلة الكاتب
dr.ali@europressarabia.com