تحقيقات ومقابلات

فايننشال تايمز: فرنسا تمهد لنهاية مفهومي اليمين واليسار

كتب جدعون راخمان في صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية أن فرنسا التي أعطت العالم مفهومي اليسار واليمين في السياسة، تقود الآن تدمير هذا التقسيم لاستبداله بسياسات جديدة قائمة على معسكرين مهيمنين، القوميين والعولميين.

يجد انقسام اليسار-اليمين جذوره في الثورة الفرنسية في 1789 حين وقف مؤيدو الفيتو الملكي على يمين الجمعية الوطنية ومعارضوه على يساره. على مدى القرنين التاليين، أصبح اليسار واليمين الانقسام الفلسفي المركزي في السياسات الغربية.

أيام ولت
عقب الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية في 10 أبريل (نيسان) الجاري، انهارت الأحزاب التقليدية من يمين الوسط ويسار الوسط. في الجولة النهائية من الانتخابات الأحد المقبل، سيتنافس إيمانويل ماكرون ومارين لوبان وهما مرشحان يصران على أن أيام سياسات اليمين اليسار قد ولت.

رغم أنها محسوبة على اليمين المتطرف، تشدد لوبان على أنه “لم يعد هناك يسار ويمين. الانقسام الحقيقي هو بين الوطنيين والعولميين”.

وقال ماكرون منذ فترة طويلة إنه “ليس يمينياً ولا يسارياً”. وأخبر كاتبة سيرته صوفي بيدر بأن “الانقسام السياسي الجديد هو بين الخائفين من العولمة والذين يرون في العولمة فرصة”.

وتستخدم لوبان مصطلح “عولمي” مرادفً للإساءة. اتهمت في الأسبوع الماضي مناصري العولمة بالتعامل مع الفرنسيين مثل مستهلكين دون جذور عوض التعامل معهم مواطنين مرتبطين بثقافتهم ولغتهم.

تعطيل الخطوط الفاصلة
أضاف الكاتب أن هذا النوع من الخطاب، علامة مميزة لليمين القومي حول العالم. شجب منظرون سياسيون مؤثرون في روسيا مثل ألكسندر دوغين، وقسطنطين مالوفيف، العولمة لأنها مؤامرة ضد الأمة الروسية وثقافتها.

وتذكر نبرة لوبان المراقبين بكلام الرئيس السابق دونالد ترامب في الأمم المتحدة حين قال إن “المستقبل ليس للعولميين. المستقبل ملك للوطنيين”. إن سياسة تتمحور حول التمييز بين “العولميين” و”الوطنيين” تعطل الخطوط الفاصلة بين اليسار واليمين.

تبنى ماكرون مواقف يُنظر إليها عادة على أنها يسارية في بعض القضايا الاجتماعية مثل حقوق المثليين، لكن جهوده لتحرير الاقتصاد، وخفض الضرائب، ستجذب المحافظين الريغانيين.

وفي المقابل، تتبنى لوبان مواقف يمينية متطرفة في قضايا مثل الهجرة وأخرى يسارية في الاقتصاد.

الخط الفاصل الأوضح بين المرشحين ليس خط يسار يمين بل قومي أممي، فماكرون مدافع متحمس عن تكامل أوروبي أعمق. في حين تريد لوبان تفكيك الاتحاد الأوروبي وتحويله إلى أوروبا دول قومية. وحدث اضطراب مماثل في تصنفيات اليمين واليسار في الولايات المتحدة وبريطانيا.

ترامب وبريكست
وفقاً لراخمان، كان الحزب الجمهوري حزب التجارة الحرة والعولمة والسياسة الخارجية المتشددة قبل مجيء ترامب. ربطت هذه القضايا باهتمامات اليمين. لكن شعاره أمريكا أولاً حول الجمهوريين نحو الحمائية والانعزالية تاركاً جناح بايدن الديموقراطي وصياً على المواقف التقليدية في التجارة والسياسة الخارجية الدوليتين.

وأعاد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هيكلة السياسات البريطانية حول محور انقسام وطني أممي.

حجب هذا التحول بتبني مؤيدي بريكست لبريطانيا العالمية شعاراً. لكن بريطانيا العالمية هي قيود أقسى على الحدود وتقليص للتجارة الدولية.

انجذب العديد من مؤيدي بريكست إلى الشعار لا لأنهم أمميون بل لأنه تأكيد للعظمة الوطنية. كانت الحجة أن بريطانيا عظمى في العالم وأكبر من تقييدها بالعضوية الأوروبية.

من الضرورة إلى الخيانة
تملك لوبان رؤية مشابهة لفرنسا. في خطابها الكبير عن سياستها الخارجية والذي ألقته في باريس في الأسبوع الماضي، أصرت على أن فرنسا هي واحدة من أعظم القوى حول العالم مع امتداد وقدر دوليين. كما مع مؤيدي بريكست، إن نظرتها إلى فرنسا العالمية هي شكل من أشكال القومية المتبجحة. إن أحد أبرز مخاطر انتشار هذا النوع من السياسات حول العالم هو أنه يزيد من فرص اندلاع النزاعات الدولية.

إن العولميين الذين يحب ترامب ولوبان انتقادهم ليسوا عموماً أشخاصاً بلا جذور أو بلا وطنية. لكنهم يميلون أكثر للاعتقاد بالحاجة إلى التعاون الدولي لنشر السلام والازدهار وإدارة المشاكل العالمية. قد يقبل القوميون نظرياً بالحاجة إلى التعاون الدولي حول قضايا مثل التجارة والتغير المناخي. من الناحية العملية، يميلون بشكل مزاجي إلى رؤية الاتفاقات الدولية كخيانة للأمة أو كنتاج لشكل من أشكال المؤامرة العولمية. إن سياسات لوبان أو ترامب أو بوتين المرتابين من الأجانب والمهووسين باستعادة عظمة قومية يمكن أن تؤدي غالباً إلى النزاع.

طرفة معبرة
نقل راخمان طرفة عن محلل من البلقان: “المشكلة مع منطقتنا هي أن هناك العديد من الدول العظيمة، صربيا العظمى، وألبانيا العظمى، وكرواتيا العظمى. لكن النتائج لم تكن عظيمة إلى هذا الحد”. إن صعود السياسات القومية حول العالم يخاطر بتكرار هذا النمط المحبط على نطاق عالمي.

24

زر الذهاب إلى الأعلى