آراء

باسكال بونيفاس: ٢٠ عاماً على هجمات ١١ سبتمبر

هل تغيّر العالم فعلاً بعد 11 سبتمبر؟ لا أعتقد ذلك. بل أعتقد أننا نخلط بين المشاعر التي أثارها هذا الحادث والتغير البنيوي الذي شهدته العلاقات الدولية. فلا شك أن هجمات 11 سبتمبر شكّلت صدمة عاطفية كبيرة جداً: ذلك أن كل من كان يتابع الأخبار ما زال يتذكر على الأرجح المكان الذي كان فيه لحظة علمه بهذا الخبر، وتأثير الصدمة جراء مشهد طائرتين تصطدمان بمركز التجارة العالمية، وتضرب هذين البرجين اللذين يكاد يعرفهما الجميع لأنهما كانا يشكلان خلفية ديكور في كثير من الأفلام التي تدور أحداثها في نيويورك. ولكن باستثناء مشاعر الصدمة تلك، فإن البنية العميقة للعلاقات الدولية لم تتأثر بـ11 سبتمبر. 
إنه بالطبع حدث تاريخي، ولكنه حدث لم يقلب تماماً المشهد الدولي. ذلك أن توازنات القوة الدولية لم تتأثر بـ11 سبتمبر. ولا شك أن الولايات المتحدة أصيبت في قلبها مثلما لم يحدث لها أبداً من قبل. فهجوم بُيرل هاربر إبان الحرب العالمية الثانية، مثلاً، لم يحدث على تراب الولايات المتحدة القاري. وإن كان لا بد من تشبيه، فربما يجدر بنا العودة إلى عام 1814، عندما أراد البريطانيون إحراق البيت الأبيض في زمن لم يكن فيه لدى الولايات المتحدة بالطبع الوزن ولا الدور الذي كان لديها في 2001. وبالتالي، فليس هناك شبه مع هذا الهجوم الذي تعرضت له الولايات المتحدة على ترابها. 
ومع ذلك، لم يُضعف هذا الأمر القوة الأميركية. فالاقتصاد الأميركي تأثر خلال بضعة أيام ولكن ليس على الأمد الطويل. والقوة العسكرية الأميركية، والقوة الناعمة الأميركية… لم يتأثر أي منهما بالهجمات. وإذا كانت الولايات المتحدة قد خسرت بعضاً من قوتها لاحقاً، فإن ذلك يعزى إلى تأثير مزدوج غير مرتبط بالهجمات: الأول يرتبط بالتطور الطبيعي للعلاقات الدولية مع صعود قوى أخرى. أما الثاني، فيرتبط بردود الفعل المتسرع لجورج دبليو. بوش الذي أطلق حربين غير ضروريتين، وخاصة حرب العراق في 2003، كلّفتا الولايات المتحدة كثيراً. غير أن إطلاق حرب العراق هذه لم يكن الحل الوحيد. 
وإذا كانت 2001 سنةً مهمةً بالنسبة للصين، فإن ذلك ليس بسبب الهجمات. فهذه الأخيرة لم يكن لها أي تأثير على الصين، ولكن 2001 كانت سنة مهمة بالنسبة للصين لأنها السنة التي انضمت فيها إلى منظمة التجارة العالمية. 
وفضلاً عن ذلك، فإن توازنات القوة المتتالية، عقب الهجمات، لم تتأثر بين اليابان وأوروبا وروسيا والصين والولايات المتحدة. 
ولهذا، يجب عدم الخلط بين المشاعر المشروعة التي أثارتها هذه الأحداث والتأثير البنيوي على العلاقات الدولية. فالإرهاب ليس مسألة جديدة: إذ كانت هناك العديد من الهجمات قبل 11 سبتمبر. وهذه الهجمات كانت أكثر عنفاً بكثير، وخلّفت خسائر أكبر، ولا سيما في العالم الغربي.
كان الحديث يجري حينها عن عالم أحادي القطبية، وعن القوة العظمى الأميركية التي لم يعد لديها منافسون أنداد يضاهونها. والحال أنه في عالم معولم يمكن لحرب غير متماثلة أن تفضي إلى ضرب أكبر قوة في العالم. فهذه هي العولمة أيضاً، وهذا هو تأثيرها المأساوي القاتم. فالهجمات كلّفت بن لادن وأتباعه بين 100 ألف و500 ألف يورو حتى يكون لها بالطبع تأثير أكبر بكثير. وعليه، ففي عالم معولم، ليس هناك واحة سلام أو استقرار: فالجميع يمكن أن يكون ضحية فاعل خبيث أو مجموعة إجرامية أو تنظيم إرهابي. ولا شك أنه كان ينبغي أن تؤدي هجمات 11 سبتمبر إلى عالم متعدد الأطراف يقوم على قدر أكبر من التعاون والتنسيق الدوليين، عالم لا نترك فيه النزاعات المنسية تُفسد المناخ الدولي. غير أن تلك لم تكن الإجابة المقدمة. 
والواقع أن آخر مرة غيّر فيها العالم بنيته على مستوى العلاقات الدولية كانت في نهاية العالم ثنائي القطبية. ومنذ ذلك التاريخ، ظهرت حركة أخرى جاءت لتعدّل بشكل كامل بنية العلاقات الدولية. ويتعلق الأمر بعملية طويلة على غرار ما حدث أيضاً بالنسبة لنهاية العالم ثنائي القطبية. هذه العملية لا تُنهي أربعة أو خمسة عقود من التاريخ وإنما خمسة قرون: يتعلق الأمر هنا بنهاية الاحتكار الغربي للقوة، وهو الأمر الذي يبدو أن الأميركيين لم يستوعبوه جيداً ولكنهم ذكِّروا به من خلال إخفاق كابول.
مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس

زر الذهاب إلى الأعلى