آراء

هل يتجه ماكرون نحو لحظة تاتشرية؟

وصف الكاتب البريطاني في الشؤون الفرنسية غافين مورتيمر بعض مشاهداته للتظاهرات التي عمّت فرنسا يوم الثلاثاء، خصوصاً بعدما ساد شعور متشائم بداية الأسبوع.

كتب مورتيمر في مجلة “سبكتيتور” أنه عقب فوضى يوم الخميس الماضي والعنف الاستثنائي في غرب البلاد يوم السبت مع خوض البيئيين الراديكاليين معارك ضارية ضد الشرطة، كان الفرنسيون يتساءلون عما تخبئه الأيام القليلة المقبلة.
تكهنت وسائل إعلامية كثيرة بأن اليوم العاشر للتحرك الذي نظمته النقابات احتجاجاً على مشروع قانون إصلاح النظام التقاعدي سينتج مشاهد العنف نفسها تقريباً التي عمت فرنسا قبل خمسة أيام. يوم الاثنين، اتهمت الحكومة رئيس حزب “فرنسا الأبية” جان لوك ميلانشون بأنه شجع ضمناً الفوضى. يوم الثلاثاء، دعا ميلانشون المتظاهرين إلى إسماع صوتهم بطريقة سلمية.

أجواء مرحة وعلامة فارقة

كان مورتيمر حاضراً مع عشرات الآلاف من المحتجين في ساحة الجمهورية في العاصمة الفرنسية ظهر الثلاثاء، قبل أن ينطلقوا عند الثانية بعد الظهر إلى ساحة الأمة التي تقع في باريس أيضاً. تحكمت الشرطة بوتيرة سير المتظاهرين الذين كانوا منضبطين حسب الكاتب. كان صف من المتظاهرين يسير في الاتجاه نفسه للتحرك، بينما كان صف ثانٍ يسير ووجهه صوب الحشد. وعلى بعد عشرة أمتار إلى الخلف برز صف احتياطي.

كان الجو بين المتظاهرين مرحاً ويشبه أجواء جمهور يغادر حدثاً رياضياً. كما كان الحشد متنوعاً أيضاً: شباناً وكباراً ورجالاً ونساء ومن جميع الطبقات، بالرغم من أنّ الغالبية كانت من ذوي البشرة البيضاء. الفارق بين تظاهرة الثلاثاء ومسيرات أخرى حضرها الكاتب سابقاً مثل السترات الصفر والاحتجاجات المناهضة لجواز سفر لقاح كوفيد هو نقص الغناء والأعلام الفرنسية. أحصى الكاتب ستة أعلام مع أنه لاحظ أيضاً وجود علم كوبي وآخر فلسطيني.

لافتة تخطف النظر

من بين لافتات عدة تم رفعها، خطفت واحدة نظر الكاتب وقد حملت صورة عليها وجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وشعر رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت تاتشر. كان عنوان اللافتة “مارغريت ماكرون” وقد كتب عليها: “هذه المرة سننتصر”. سأل مورتيمر الرجل الذي كان يحمل اللافتة عما إذا كان بريطانياً. لم يكن كذلك، لكن كانت لديه ملاحظة قوية عن المرأة الحديدية والنقابات. قال المتظاهر: “إنه النضال نفسه”.

خاب أمل المصورين الصحافيين

لم تخلُ التظاهرة تماماً من أعمال الاستفزاز. شق اثنان من المتهوّرين طريقهم إلى مقدّمة الموكب وبدأوا باستفزاز الشرطة. ألقيت بعض الألعاب النارية وبدأ أحدهم يهتف “نحن نكره الشرطة”. بعد ساعة ونصف، وصل المتظاهرون إلى ساحة الأمة وجلسوا على العشب وبدأوا يتناولون طعاماً كانوا يحملونه معهم. جال المصورون الصحافيون حولهم خائبي الأمل قليلاً؛ لقطة سريعة لشخص يأكل الخبز الفرنسيّ لن تحتل الصفحة الأولى. فجأة، أشعل شابان النار في حاوية مهملات. تحرك المصورون سريعاً.

في غضون خمس دقائق، أخمد رجال الإطفاء النيران. مع تدفق المزيد من الأشخاص إلى ساحة الأمة، كان الذين وصلوا على رأس الحشد قد بدأوا يتفرقون. انتظر مورتيمر ساعة ثم غادر. حين وصل إلى منزله كانت الشرطة قد شرعت بالتحرك. أظهرت الأنباء مناوشات في ساحة الأمة لكنها كانت صغيرة بالمقارنة مع الأسبوع السابق. تم اعتقال 27 شخصاً من حشد بلغ 93 ألفاً في باريس.

أنباء سارة لماكرون… هل انتصر؟

أسعدت الأرقام الحكومة. لم تتكرر فوضى الأسبوع الماضي، وبشكل أهم، لم تتحقق توقعات بعض الإعلام بتجمع حشود كبيرة. في المجموع، كان هناك 740 ألف متظاهر في الطرقات يوم الاثنين، وهو رقم أقل بـ360 ألفاً من احتجاجات الخميس. برز أيضاً انخفاض في أعداد الأساتذة وعمال السكك الحديدية الذين كان مضربين، كما أن الإعلان عن عودة عمال النظافة الباريسيين إلى العمل بعد إضراب دام لثلاثة أسابيع شكل المزيد من الأنباء السارة لماكرون.
حسب مورتيمر، سيكون من المبكر إعلان أن ماكرون خرج منتصراً في هذه المعركة مع النقابات. هي ليست مستعدة للاعتراف بخسارتها. والجولة التالية من التظاهرات محددة يوم الخميس. لكن يبدو أنها تخسر الشارع. لم يكن ثمة الكثير من الغضب فيه يوم الثلاثاء. كان هناك رفقة ووئام، إنما لم يسد شعور بأن هذه معركة يمكن كسبها، ختم الكاتب.

زر الذهاب إلى الأعلى