هنا اوروبا

الشرطة الفرنسية تنصب فخاً للمتظاهرين في ساحة شارل ديغول وتعتقل العشرات منهم

 

باريس / منذر المدفعي

 

دخلت حركة السترات الصفراء في اسبوعها الثالث لكن منذ انطلاقها وحتى الآن لم تفلح الحركة في تحقيق مطالبها المتمثلة بخفض أسعار الوقود وخفض الضرائب والغاء قرار الحكومة المتمثل بفرض رسوم جديدة على الوقود في مطلع عام 2019 الذي يفصلنا عنه شهر واحد.

إلا أن المكسب الوحيد الذي حققته الحركة هو حصولها على دعم شعبي بلغ 75 بالمئة حسب استطلاعات الرأي والدراسات التي اعلنت عنها قناة BFM TV الاخبارية الفرنسية. هذه النسبة الكبيرة قد تؤرق الحكومة التي أصبحت في مواجهة حركة تزداد شعبيتها يوما بعد يوم. 

 

شهدت الحركة تحشيدا كبيرا استعداد لمظاهرات اليوم السبت التي نادوا بها عبر وسائل التواصل الاجتماعي عقب فشل محادثاتهم خلال اللقاء المقتضب لثلاثة من ممثلين الحركة يوم أمس. 

ممثلو حركة السترات الصفراء غادروا صالة الاجتماع قبل انتهائه. وعند خروجهم أكدوا للاعلام بأنه: "لا جدوى من اطالة هذا اللقاء لأن رئيس الوزراء إدوارد فيليب لم يسمعنا غير كلام متعلق بديباجات وخطابات تعود على إلقائها. دون التفكير بتقديم حلول إزاء المطاليب الجماهيرية."

 

الحركة رصت صفوفها لمظاهرات اليوم التي ضمت أكثر من 7500 متظاهر حسب ما أعلنته صحيفة الفيغارو. 

عدد كبير من المتظاهرين هذا اليوم أتوا من محافظات أخرى للالتحاق بمظاهرات الشانزليزيه في باريس. 

وزارة الدفاع أعلنت منذ الأمس عن تعبئة ضخمة من قبل عناصر الشرطة لمواجهة هذه المظاهرات. إذ كلفت خمسة آلاف شرطي منقسمين على خمسين موقعا استراتيجيا لبسط الأمن في باريس. وهذا الرقم يتجاوز عدد عناصر الأمن المشاركين في الأسبوع الماضي بألفي شخص.  

وزارة الداخلية تبدو هذا الأسبوع أكثر حزما من الأسبوع الماضي.

 

كما أنها أعلنت عن إغلاق الكثير من الشوارع العامة مما تسبب باختناق مروري كبير في بقية الشوارع. 

وكذلك الحال في وسائل النقل العام إذ أعلنت دائرة المواصلات الفرنسية عن قائمة من المحطات التي سيتم اقفالها في باريس أمام مستخدمي شبكة النقل العام. وأكدت بأن الاغلاق تم بطلب من دائرة شرطة باريس. 

وبلغ عدد المحطات الحيوية التي تم أغلاقها بلغ 14 محطة. أمر تسبب بإرباك حقيقي لشبكة المواصلات. 

 

الشرطة الفرنسية نصبت موانع عند بداية الشوارع المؤدية إلى ساحة شارل ديغول حيث ينتصب قوس النصر المعلم الفرنسي الكبير. تلك الحواجز التي وضعتها الشرطة تهدف إلى منع المتظاهرين من الالتحاق بمن يتواجد في ساحة شارل ديغول. وفي نفس الوقت منعت المتظاهرين المتواجدين في تلك الساحة من الخروج من ذلك المكان للالتحاق بمناصريهم المتفرقين على عدة شوارع. 

سعى المتظاهرون إلى تكوين مجموعة كبيرة يمكنها أن تتحدى الشرطة وتكسر تلك الحواجز للتوجه إلى قصر الأليزيه حيث يقع مقر ومسكن رئيس الجمهورية. 

إلا أن الشرطة كانت ترد على من يحاول الاقتراب من تلك الحواجز بالقاء القنابل المسيلة للدموع وكذلك القنابل الصوتية كما لجأت أيضا إلى استخدام خراطيم المياة لتفريق المتظاهرين. 

 

استخدمت الشرطة هذا اليوم القنابل الدخانية بشكل كثيف ومفرط مما أدى إلى وقوع عدة حالات اختناق شديدة. 

الجو الغائم والممطر هذا اليوم زاد من قسوة تأثير تلك الغازات السامة على المتظاهرين الذين يتألفون من فئات عمرية عديدة. كبار السن. المتقاعدين. النساء والشباب وحتى المعاقين. كانوا جميعهم عالقين في مصيدة الشرطة التي نصبتها لهم في تلك الساحة. 

 

عدم موافقة وزارة الداخلية وبلدية باريس على منح حركة السترات الصفراء الحق بالتظاهر سمح لقوات الشرطة بالتعامل مع هذا التجمع بصفته حركة لا تتمتع بغطاء قانوني. فللشرطة الحق بالتدخل وتفريق التجمعات غير المرخص بها. ووفق هذا السياق القانوني سمحت الشرطة لنفسها بالافراط في استخدام الوسائل التي تمثل خطورة حقيقية على حياة المتظاهرين المتمثل بقنابل الدخان التي تحتوي على مواد تضر بالجهاز التنفسي بشكل كبير. 

 

ولم يقتصر رد الشرطة على القاء القنابل الدخانية إذ أعلنت وزارة الداخلية أنها ألقت القبض على 255 شخصا من المشاركين بمظاهرات غير مرخصة. كما أدت المواجهات بين الطرفين إلى أصابة أكثر من 80 شخصا بجروح ومن بينهم 36 من عناصر الشرطة. 

 

مارين لوبين زعيمة حزب اليمين المتطرف طالبت الرئاسة الفرنسية يوم أمس بالسماح لهذه الحركة بالتظاهر: "اسمحوا لهم بالتظاهر. هذا سيعتبر كرد اعتبار لهذه الحركة بدلا من التعامل معهم بعنف".

إلا أن الحكومة لم تولها أذنا صاغية تماما كما فعلت منذ البداية مع حركة السترات الصفراء التي بالمواجهة مع تعنت الحكومة رفعت من سقف شعاراتها لتطالب باستقالة إيمانويل ماكرون من منصبه كرئيس للجمهورية الفرنسية.

 

لوران نونيز وكيل وزير الداخلية أكد بأن المتظاهرين : "ليسوا سوى جماعات تسعى للتخريب والتكسير. لقد رأينا بأم أعيننا الاسلوب العنيف الذي ينتهجوه." 

 

وبالمقابل رفع المتظاهرون اليوم شعارات تنادي باللاعنف واللاكراهية ورفعوا الاعلام الفرنسية فقط ليعبروا عن نفسهم كحركة جماهيرية ولدت من رحم المجتمع الفرنسي وتعبر عن لسان حال المواطن المنتمي للطبقة المتوسطة وما دون المتوسطة. إلا أن الدعم الشعبي الضخم الذي تمتعت به الحركة هذا اليوم يؤكد بأن تأثيرها ورقعتها الجغرافية آخذة بالازدياد.     

 

لم تكن مظاهرات حركة السترات الصفراء مقتصرة اليوم على باريس. فقد كانت هنالك تظاهرات أخرى بالتوازي معها في مدينة بي أون فاليه في جنوب فرنسا. حيث قاموا هناك باقتحام مركز الشرطة وهم ينادون حين الاقتحام: "ماكرون إستقل".

وعلى الحدود البلجيكية شهدت مدينة شارل فيل ميزير تظاهرات ضمت 600 من أتباع السترات الصفراء تسببت بعرقل حركة السير على تلك المنطقة الحدودية. 

وكذلك الحال في مدينة ديجون القريبة من الحدود السويسرية. 

اتساع رقعة التظاهرات يهدد الحكومة الحالية وموقفها إزاء بقية الأحزاب في الداخل كما أنه قد يضر وبشكل كبير بصورة فرنسا التي تتباهى برفعها لراية الديمقراطية وحرية التعبير عن الرأي.  

زر الذهاب إلى الأعلى