هنا اوروبا

نيويورك تايمز: هل لا تزال فرنسا قوة عظمى؟

اعتبر نوريميتسو أونيشي، مراسل صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية في باريس، أن فشل فرنسا في صفقة الغواصات مع أستراليا يُثير تساؤلات عن انقسام يصعُب تجاوزه بين رؤية فرنسا لنفسها على الصعيد العالمي، وقوتها الفعلية على الأرض.

تزعم هذه الفكرة أن فرنسا كانت تتمتع بالقوة والنفوذ، وأن فرنسا في الوقت الحالي، أضحت عديمة الأهمية وجديرة بالاتقول هذه الفكرة إن فرنسا كانت تتمتع بالقوة والنفوذ، وأن فرنسا في الوقت الحالي، أضحت عديمة الأهمية وجديرة بالازدراءوأشار أونيشي إلى أن نوبات الغضب في فرنسا بعد الاتفاق الأمريكي السري لتزويد أستراليا بغوَاصات تعمل بالطاقة النووية، يطرح سؤالاً واحداً مفاده، هل يمكن أن نضع أيدينا على الخلل؟

وعنونت صحيفة “لوبينيون” الفرنسية في صفحتها الأولى “أيتها المرآة على الجدار، أخبريني إذا كنت لا أزال قوةً عُظمى!”، في اقتباس محوّر من قصة “سنو وايت” الكرتونية.

شعور العظمة

ينوّه الكاتب إلى أن أوروبا تضمّ العديد من القوى الإمبريالية السابقة المُضمحِلة. ولكن فرنسا، أكثر من غيرها من الدول الأوروبية، تشبثت بتاريخها قوة عظمى، ولا تزال ترى نفسها موضع اهتمام عالمي. وذلك جزئياً إلى ممتلكاتها الإقليمية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ومنطقة البحر الكاريبي.

وبسبب شعورها العميق بالعظمة، تعود فرنسا بذاكرتها إلى عصر التنوير للحديث عن مكافحة الظلامية في عالمنا المعاصر. كما تُقدم عالميتها العلمانية نموذجاً للمجتمعات الحديثة. وغالباً ما تشدد على ثِقلها الجغرافي والسياسي، رغم أنها تُبالغ في ذلك.

ويظهِر السؤال إذا كانت فرنسا لا تزال قوة عظمى، كيف تستمر أمجاد باريس السابقة في تشكيل عقليتها الوطنية.

وعلى الجانب الآخر، يُعد تكرار تأكيد أن فرنسا تعاني من تدهور وجودي، أحد المواضيع الأكثر فعالية في السياسات الداخلية في فرنسا، والتي غالباً ما تقودها تيارات يمينية وأخرى يمينية متطرفة.

انقسام؟

ولذلك، أجبرت أزمة الغواصات فرنسا على مراجعة ملفاتها سعياً وراء حقائق غير مريحة، بدل أن تقبل بغموض مريح. ويطرح الكاتب سؤالاً، هل هناك انقسام لا يمكن تجاوزه بين رؤية فرنسا لنفسها وقوتها الفعلية؟

ويجيب، أبعدت الولايات المتحدة، وبريطانيا، وأستراليا، فرنسا عن المشهد، ما أسفر عن فسخ اتفاقٍ  بين فرنسا وأستراليا، ومحو ما عَده الفرنسيون إطاراً لإظهار القوة في المحيط الهادئ على مدى عقود مقبلة.

ولم يعلم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وأعضاء آخرون في حكومته بالاتفاق الجديد، إلا قبل ساعات فقط من إعلان الولايات المتحدة، وأستراليا، وبريطانيا عنه.

وفي بيان مُشترك بعد محادثة بين ماكرون وبايدن هاتفيًا يوم الأربعاء، بدا أن الولايات المتحدة تعترف بهذه الإهانة. واتفق الأمريكيون على أنه كان يجب إجراء “مشاورات مفتوحة”، والتزم بايدن بهذا الإجراء في المستقبل. ولكن هذا التصريح “لا يُمثل إلا تطييباً لخاطر باريس”، وفق الكاتب.

الهوس بالمكانة العالمية

وأبرز الكاتب ما قاله برتران باديه، الخبير في شؤون العلاقات الدولية الفرنسية في معهد الدراسات السياسية في باريس، الذي أوضح أن “فرنسا مهووسة بشيء واحد، مكانتها، التي يجب أن تحافظ عليها. ويمكن أن نُجري تحليلاً نفسياً لهذا الأمر، لأن بعض هذه المزاعم وصل إلى مستوى اللاوعي”.

وردًا على السؤال هل كشف فشل صفقة الغواصات، أن فرنسا لم تعُد قوة عظمى، قال فيليب إتيان، السفير الفرنسي لدى الولايات المتحدة، في مقابلة إذاعية في باريس: “نحن قوة تعمل على تحقيق التوازن، فضلاً عن أننا قوة مهمة. ونحن نملك وسائلنا الخاصة”.

واستشهد الكاتب بما قاله أرنو دانجيان، العضو الفرنسي في البرلمان الأوروبي، والمسؤول الدبلوماسي في وزارة الدفاع الفرنسية سابقاً، الذي أوضح “أننا نحتاج إلى وضع سياسة فرنسية في المحيط الهادئ، لأننا نتمتع بمصالح تجارية واقتصادية وإقليمية في هذه المنطقة، ولكن الوسائل المتوفرة لنا الآن لا تُمكنَنا من أن نصبح بديلاً موثوقاً للولايات المتحدة في مواجهة الصين”.

تحديد الأولويات
واستدرك دانجيان قائلاً: “نظراً إلى تعلُّق فرنسا بتصورها أنها قوة عالمية، تواجه باريس صعوبات في تحديد أولويات سياساتها الخارجية. ومع أن ماكرون أكد أن فرنسا تستمد قوتها من قوة أوروبا، إلا أنه غالباً ما يتخذ قرارات منفردة”.

وفي 2020، وبعد أيام من الانفجار الضخم الذي دمّر بعض المناطق في العاصمة اللبنانية، المستعمرة الفرنسية السابقة، ذهب ماكرون فجأة إلى بيروت، عاقداً العزم على حل الأزمة السياسة اللبنانية.

وفي زيارة ثانية للبلاد بعد أسابيع من الأولى، أعلن ماكرون ضرورة تشكيل حكومة جديدة في غضون 15 يوماً، وعندما لم تُشكّل الحكومة، اتهم الرئيس الفرنسي النخبة السياسية في البلاد بـ”الخيانة”، وأعرب عن شعوره بـ “الخجل” من هذه الخيانة.

هل تتجاهل فرنسا الماضي؟
ووفقا للتقرير، يقول مؤيدو السياسة الفرنسية في المحيط الهادئ إن فرنسا لم تتجاهل ماضيها، ولكنها تُحاول ببساطة إرساء سياسة متماسكة في منطقة تملك فيها مصالح حقيقية، بما في ذلك أراضٍ وقواعد بحرية.

ولمح هوغو ديسيس، المحلل الفرنسي في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في لندن، إلى أنه ورغم أن حجم الجيش الفرنسي يتضاءل مقارنة مع الجيشين الأمريكي والصيني، فإنه لا يزال أحد أقوى الجيوش في العالم، ويحظى بدعم صناعة عسكرية محلية على مستوى عالمي.

وأضاف ديسيس “في ظِل نشر فرنسا بين 5 و 7 آلاف جندي، و20 إلى 40 طائرة عسكرية، وسبع سفن بحرية في منطقة المحيط الهادئ، تُعد فرنسا الدولة الأوروبية الوحيدة التي تتمتع بقوة عسكرية حقيقية في المنطقة. كما أجرت القوات الجوية الفرنسية تدريبات لنشر مقاتلات رافال بداية من فرنسا في منتصف الكرة الأرضية ووصولاً إلى المحيط الهادئ لإظهار القوة”.

كما تشغل فرنسا أيضاً مقعداً في مجلس الأمن في الأمم المتحدة، ما يمنحها قدراً من القوة الصارمة في جميع أنحاء العالم.

ولكن مقارنة مع القوة العظمى لباريس سابقاً، قد لا تكون القوة الحالية كافية في بعض الأحيان.

عديمة الأهمية
واستشهد الكاتب بما قاله ديسيس الذي أكد أن “تراجع فرنسا يُعد من المواضيع التي غالباً ما تظهر على الساحة، لا سيما أثناء الانتخابات، ويحظى الأمر بشعبية في أوساط اليمين واليمين المتطرف”.

وأضاف: “تقول هذه الفكرة إن فرنسا كانت تتمتع بالقوة والنفوذ، وأن فرنسا في الوقت الحالي، أضحت عديمة الأهمية وجديرة بالازدراء. ولكن من الواضح أنه يمكن التشكيك في هذه الرواية لعدة أسباب”.

 24

زر الذهاب إلى الأعلى