هنا اوروبا

ألمانيا- محاولات لمواجهة معاداة السامية لدى التلاميذ المهاجرين

يحاول معلمون في المدارس الألمانية مواجهة معاداة السامية والروح القومية المتطرفة بين أبناء اللاجئين وتلاميذ ذوي أصول مهاجرة. أحيانا ينتقل الصراع في الوطن الأم إلى بلد المهجر ويتحول إلى عراك في ساحة المدرسة، فأين تكمن الحلول؟

 

 

لا مكان للإيديولوجيات الدينية والقومية في المدارس الألمانية، لكنها رغم ذلك تظهر أحياناً أو ما يدل على وجودها بين التلاميذ. وفي مجتمع متعدد الأعراق والأديان كالمجتمع الألماني، خاصة في المدن الكبيرة، أصبح من الطبيعي أن يشاهد المرء تلاميذ من إثنيات وأديان مختلفة داخل قاعة واحدة، وبالذات بعد وصول نحو مليون لاجئ إلى ألمانيا منذ عام 2015، حيث دخل كثير أطفالهم إلى المدارس الألمانية مباشرة، أو بعد مراحل تمهيدية.

وبلا شك، فإن لمثل هذه التعددية إيجابياتها الكثيرة، فالدول المتقدمة صناعياً تراهن على التعددية السكانية. لكن حوادث بسبب الانتماء الديني أو العرقي تتسبب في قلق على المستوى الاجتماعي والسياسي. فمنذ منتصف شهر مارس/ آذار هذا العام 2018، خرج موضوع "ظاهرة" معاداة السامية داخل المدارس الألمانية إلى الملأ بقوة، بعد الكشف عن تعرض فتاة يهودية للتهديد والعداء من قبل تلاميذ مسلمين "لأنها غير مؤمنة بالله"، حسب قولهم، في إحدى مدارس برلين بمنطقة تمبلهوف. ونقل موقع صحيفة "برلينر تسايتونغ" أن زميلاً لها هدد بقتلها لأنها لا تؤمن بالله، بحسب ما ذكره والدها للصحيفة، التي أشارت  أيضاً إلى أن مجموعة تلاميذ من المرحلة الابتدائية تناقلت على تطبيق "واتس أب" مقطع فيديو لتنظيم "الدولة الإسلامية" الإرهابي (داعش) يظهر تنفيذ عملية إعدام بقطع الرأس. إدارة المدرسة أكدت هذه الحوادث. فيما كشفت سرايا غوميس، مسؤولة مناهضة التمييز في مدارس برلين عن أن عام 2017 شهد وقوع 12 حالة معاداة للسامية.

 حتى الغناء لم يسلم!

منصور صاديقازي، مدرس في إحدى المدارس الثانوية بمدينة دورتموند، يلاحظ سلوك تلاميذه الذين ينتمون إلى أعراق مختلفة. كتب في مقال له على موقع صحيفة "دي تسايت" أن كثيراً من اللاجئين يأتون من بلدان تعتبر فيها "معاداة الصهيونية ضمن قالب فكري محدد من أساسيات الدولة، يأتون إلى بلد (ألمانيا) مازالت جذور معاداة السامية باقية فيه"، وفي مثل هذا الموقف "تقوي معاداة السامية هذا القالب الفكري المعادي للآخرين، الذي جلبه معهم لاجئون أو مهاجرون". ويشير إلى أن من يريد أن يكافح معاداة السامية، عليه ألا ينسى القومية المتطرفة". ويرى أن القومية هي جواب متطرف عن سؤال جوهري يطرحه الناس: "إلى ماذا انتمي؟".

وسؤال الانتماء معقد بالنسبة للجيل الأول من المهاجرين واللاجئين، ويصبح أكثر تعقيداً بالنسبة للجيل الثاني. الانتماء إلى ماذا؟ إلى الوطن الأم، أم الوطن الحاضن الجديد؟ وماذا بشأن القيّم التي يحملها اللاجئ أو المهاجر معه؟

نشر موقع قناة (WDR) الألمانية تقريرا عن محاولة معلم في مدرسة ثانوية مناقشة نص مع تلاميذه الذين ينتمي بعضهم لأصول مهاجرة، لأغنية ثنائي الراب كوليغا وفريد بانغ، اللذين حصلا على جائزة إيشو الألمانية للموسيقى. الثنائي متهم بأن أغانيه معادية للسامية. في البدء وزع المدرس نسخاً من أغنية للثنائي فيها إشارات للهولوكوست، أي محارق النظام النازي لليهود في ألمانيا وأوروبا. أثناء النقاش لم ير بعض التلاميذ الألمان في النص معاداة لليهود، بل مجرد نص فني مستفز. وبعد انتهاء النقاش، قرأ الأستاذ لهم نصاً يتحدث عما جرى في معسكرات الاعتقال النازية التي قتل فيها ملايين اليهود. فاصيب التلاميذ بالدهشة، وفهموا حينها ماذا يعني أن يكون النص فنياً أو متجاوزا للقواعد الفنية والإنسانية. يذكر أن الجائزة ألغيت تماما من قبل مؤسسيها بعد منحها للثنائي هذا العام.

 لا يعلمون ما يحملون..

ويكتب ومنصور صاديقازي في مقاله على "دي تسايت" أن هناك من التلاميذ من يحمل شعارات يمينية أو نازية في مدرسته، حينها تتعامل إدارة المدرسة معهم مباشرة وتنتزع منهم ما يحملون. ويشير إلى أن كثيراً من التلاميذ لا يفهمون المعاني التي تحملها الرموز على ملابسهم. ويوضح أن ما يدور أحيانا من صراع في الوطن الأم ينعكس على أرض الواقع في ساحة المدرسة بين التلاميذ.

فكثيراً ما يشاهد عراك بين تلاميذ من أصول كردية وآخرين من أصول تركية. أو بين تلاميذ من أصول ألبانية وآخرين من أصول صربية أو كرواتية وربما بوسنية، أو أحياناً من طرف تلاميذ عرب يعتقدون أنهم يعلمون أفضل من غيرهم حين يتعلق الأمر بالقضايا الإسلامية.

النقاش حول معاداة السامية يدور في الإعلام وبين السياسيين وفي المدارس بألمانيا. ومواقف الساسة أصبحت أكثر تشددا تجاه أي نوع من معاداة السامية، حتى أن سياسيين ألمان تحدثوا عن أن مثل هذه السلوكيات يمكن أن تكون "سببا للترحيل من البلاد". غير أن هناك من يميز بين معاداة سامية "مستوردة" جاءت مع اللاجئين أو المهاجرين، وبين معاداة سامية لها جذورها داخل المجتمع الألماني، رغم مرور أكثر من ستة عقود على نهاية الحرب العالمية الثانية.

 

زر الذهاب إلى الأعلى