هنا اوروبا

هكذا تسعى ألمانيا لوقاية السجناء المسلمين من الوقوع في براثن التطرف

يعتقد أن مرتكبي الهجمات الإرهابية في باريس وبروكسل وبرلين تحولوا إلى التطرف داخل السجن، فهناك من يدخله مجرما فيخرج متطرفا. في ألمانيا بدأ القضاء والسياسة في السير بخطوات جديدة لحماية السجناء من الوقوع في براثن التطرف. 

في مدينة بوخوم بولاية شمال الراين- فيستفاليا الألمانية، أكثر الولايات الـ16 اكتظاظا بالسكان، يوجد سجن، أو كما يسمى رسميا "مؤسسة تنفيذ العدالة"، افتتح قبل نحو 122 عاما ويتسع لما يقرب من 900 سجين. أحد هؤلاء السجناء شخص مسلم لم يرد ذكر اسمه الحقيقي، وسنطلق عليه هنا اسم "باتوهان". إنه رجل ضخم الجسم، في منتصف وربما حتى في أواخر الخمسينيات من عمره.

دخل باتوهان علينا قاعة الكنيسة بالسجن واضعا قبعة بيسبول سوداء على رأسه، تتدلى من جزئها الخلفي جديلة قصيرة ورقيقة، ويرتدي سراولا شبابيا "كارجو" وحذاء رياضيا. ويربت بشدة على يد من يصافحه وينظر في عين من يقف في مواجهته.

ربع عدد السجناء مسلمون

باتوهان يمكن أن يكون نموذجا لما تريد السلطات الألمانية أن يكون عليه السجين المسلم، فهو تائب ومتفاعل ومتسامح. ولد في تركيا ويعيش في ألمانيا منذ كان سنه أربعة أعوام. أودع السجن منذ مارس/ آذار 2014، فقد أدين بتهمة الاحتيال. كان عمله له علاقة بالسيارات والعقارات، كما يقول، ولا يريد الرجل الخوض في التفاصيل.

باتوهان هو واحد من حوالي 16 ألف سجين محتجز حالياً في ولاية شمال الراين-فيستفاليا. ربعهم تماما من المسلمين. ويوجد بين هؤلاء مجموعة صغيرة تنال اهتماما خاصا من قبل المسؤولين. تلك المجموعة هي: الإسلاميون المتطرفون. فبحلول منتصف العام ، الجاري كان هناك 33 شخصًا "ينتمون إلى الطيف الإسلامي" في سجون شمال الراين-فيستفاليا، حسبما ذكرت وزارة العدل في إجابة على سؤال لـDW.

هؤلاء الذين يطلق عليهم "أصحاب المخاطر" موزعون على سجون مختلفة حتى لا يتمكنوا في وقت ما من التلاقي فيتحولون إلى خلية متطرفة. ومن بين تلك السجون، سجن بوخوم. لكن لم يسمح لـDW  بالوصول إلى أي منهم. وإنما يُسمح فقط بإجراء محادثة مع رجل مثل بوتاهان، الذي يقول إن الدين يلعب دوراً رئيسياً لدى كثير من السجناء، بغض النظر عن المعتقد. كما أنه أيضا وجد طريقه إلى الله وراء القضبان فقط. ويحدث اليوم، كما يقول، أن يطرح سجناء عليه أسئلة حول الإسلام. على سبيل المثال، عندما يقع هجوم  من إسلاميين متطرفين في مكان ما. "ومن ثم نتحدث عن كيف ولم ولماذا".

معرفة الخطر دون إبعاده

يجهز المسؤولون أنفسهم حالياً، تحسباً لأن عدد الإسلاميين المتطرفين سيزيد في السجون الألمانية. ففي العام الماضي وحده، فتح مكتب المدعي العام الاتحادي في كارلسروه 855 تحقيقًا أوليا ضد إسلاميين متطرفين مفترضين.

بالإضافة إلى ذلك، فإنه بعد الهزيمة العسكرية لـ"داعش" في المناطق الكردية في سوريا، ووفقًا لبحث أجرته قناة غرب ألمانيا العامة (WDR)، قد تم احتجاز أكثر من 120 جهاديًا لهم علاقة بألمانيا. وهناك آخرون محتجزون في السجون العراقية. فإذا عادوا، فمن المتوقع أن يحاكم الكثير منهم في ألمانيا.

ستكون "لحظة حرجة"، يحذر ميشائيل كيفر، الباحث المعروف في مجال التطرف. ويضيف كيفر: "إذا عادت شخصيات وكوادر ذكية لا تزال ثابتة على آرائها، فلن يتوقفوا عن إثارة هيجان في السجون".

دخول السجن كمجرم ومغادرته كمتطرف 

ارتكبت غالبية الأعمال الإرهابية الإسلامية في أوروبا، من قبل أشخاص أصبحوا متطرفين داخل السجن، مثل منفذي الهجمات في باريس وبروكسل. ومثل أنيس عامري، الذي انطلق بشاحنة في ديسمبر/ كانون الأول 2016 صوب أحد أسواق عيد الميلاد في برلين فقتل 11 شخصًا.

أكثر من نصف الخمسة آلاف جهادي، الذين غادروا أوروبا الغربية إلى مناطق قتال "داعش" لهم ماضٍ إجرامي. وكان الكثيرون منهم أعضاء في عصابات أو تجار مخدرات أو لصوص. هذه، هي نتيجة دراسة نشرها في عام 2018 المركز الدولي لأبحاث التطرف في "كينجز كوليج" في لندن.

وتحاول السجون الألمانية ضمان عدم قيام المتطرفين بالدعوة أو أن يكون لهم اتصال مع أصحاب الأفكار المشابهة لهم. ويتم مراقبتهم في السجن وفصلهم عن السجناء الآخرين. لكنه لا يتم عزلهم تماما طوال الـ24 ساعة. وفي السير في باحة السجن، على سبيل المثال، يقع تواصل بينهم وبين زملائهم السجناء. ويعتقد سجين بوخوم باتوهان أنه يمكنهم محاولة التأثير على الآخرين في مثل هذه المناسبات. "سأقولها على النحو التالي: إقناع شخص ما هنا (داخل السجن) يكون أكثر سهولة" من إقناعه خارجه. لكن باتوهان يؤكد أنه شخصيا لم يعايش ذلك داخل السجن حتى الآن.

 

فريسة سهلة للإسلاميين

المحامي الشاب ذو الأصول التركية نعمان أوزر مقتنع بأن السجون هي المكان المثالي لتربية الجماعات المتطرفة.  إنه يعمل منذ سبع سنوات في مبادرة كولونيا "التحول 180 درجة"، والتي تمول الآن أيضًا بأموال من الحكومة الاتحادية.

Deutschland Initiative gegen Islamisierung in Köln (DW/N. Niebergall)

المحامي نعمان أوزر (في المنتصف) من مبادرة كولونيا "التحول 180 درجة"

أوزر يقوم بانتظام بزيارة السجون في ولاية شمال الراين- فيستفاليا منذ عام 2015. وتقدم مبادرته حلقات نقاش بشكل منتظم في أربعة منها مع السجناء المسلمين. وفي هذه الحلقات يدور النقاش حول قواعد التعايش الحسن والتفكير الذاتي والبصيرة. ويقول أوزر: "السجناء في حفرة، عاطفياً على الأقل، وهذا سيجعلهم فريسة سهلة للإسلاميين، الذين سوف يشرحون لهم أن النظام هو المسؤول عن وضعهم". ويضيف أوزر: "أحيانا يجري إضفاء هالة من القداسة على الجرائم".

وفقًا لقراءة إسلامية متطرفة، فإن الغرب يشن حربًا ضد المسلمين، وفي الحرب، تسمح آيات القرآن بأخذ الغنائم، وبهذه الحجة يجري مباشرة اعتبار الدخل من السرقة أو النهب والسلب أو تجارة المخدرات كغنائم حرب شرعية، وتصوير المجرمين الصغار على أنهم أبطال. "وبهذا ، يمكن للمتطرفين التقاط هؤلاء الشباب بسهولة"، يعتقد أوزر.

سيناريو خطير: شباب يائس، عدواني، وحيد، وغالبا بدون آفاق مستقبلية يلتقون في السجن مع أفراد يقدمون لهم إجابات بسيطة على جميع أسئلتهم.

 السياسة والعدالة تسعيان للوقاية

لقد أدرك المسؤولون هذا أيضًا: تركز حكومة ولاية شمال الراين- فيستفاليا في المقام الأول على الوقاية. في غضون ذلك، عيّنت العديد من سجون الولاية مفوضي اندماج، بحيث يكون للمساجين، الذين لديهم خلفية هجرة نقطة اتصال خاصة بهم.

بالإضافة إلى ذلك، تتعاون السجون بشكل وثيق مع أساتذة في العلوم الإسلامية مثل مصطفى دويموس ومهمت بيلكلي. ويقوم الاثنان منذ عام 2016، بتكليف من وزارة العدل، بتدريب حوالي 2700 موظف من إجمالي نحو 8600 من موظفي السجون في ولاية شمال الراين – فيستفاليا.

Mustafa Doymus | Islamwissenschaftler (DW/M. Von-Hein)

مصطفى دويموس، أستاذ العلوم الإسلامية

ويقول دويموس إن فقدان الحرية يسبب حتماً أزمات شخصية بين نزلاء السجون "تجعل من كل واحد فيلسوفاً"، ومن ثم يتساءل البعض أيضا حول أمور دينية.

ويدور عمل دويموس وبيلكي حول "توعية" المسؤولين القضائيين. حتى يتمكنوا من المساعدة في أوقات الأزمات. واكتشاف علامات التطرف في أقرب وقت ممكن – على سبيل المثال، عندما يكتشفون كتابات وكتب ملفتة للأنظار أثناء تفتيشهم الزنازين، أو عندما يصل السجناء رسائل من الخارج. فهناك داخل المشهد الإسلامي الراديكالي، توجد شبكات ترسل رسائل وطرود إلى السجناء داخل السجن. لفتة يفترض أنها دليل على حب الآخر، لكنها تهدف إلى تعزيز السجناء أيديولوجيا وتجنيد أتباع جدد.

مهمت بيلكلي مقتنع بأنه يجب استغلال الوقت في السجن من أجل مساعدة المساجين والوصول بهم إلى أن يصبحوا ليني الجانب ومدققين ومبتعدين (عن الأفكار المتطرفة) "وهذا لا ينطبق على أصحاب المخاطر فقط وإنما أيضا على السجناء الذين تطرفوا بالفعل، ففي وقت ما سيخرج هؤلاء ويعودون إلى المجتمع". ويعتقد أيضا ميشائيل كيفر، الباحث في مجال التطرف، أنه "إذا تلقى الشخص هنا (في السجن) الإرشاد والدعم، فيمكن أن يكون لذلك تأثير وقائي".

 

(DW)

زر الذهاب إلى الأعلى